حاججناهم بأنه نظام لا يتوافق مع "النظام السياسي الإسلامي"، فمرجعية الحكم فيها "لله وحده" بخلاف "النظم الديمقراطية" التي تجعل السيادة للخلق، إضافةً إلى جعل "المواطنة" أساساً للمشاركة الديمقراطية بعيداً عن اعتبارات الدين.
قالوا: إنما ندعو لنظام ديمقراطي مهذب موافقٌ لأحكام الشريعة. وأن الديمقراطية حين تعمل في "فضاء مسلم" فستنتج نظاماً مسلماً.
لا بأس إذن، ولنتجاوز أساس الإشكال الذي يصر أصحابنا على الهروب منه، بادعاء أن مُخرج "الديمقراطية المحلية" سيكون بمرجعية إسلامية، متغافلين عن مشكلة "المبتدأ" الذي يجعل الأمر كله بيد الناس.
لنتجاوز ذلك، ولنتأمل في شيء من تفاصيل هذه "الديمقراطية المهذبة" التي يريدون منا قبولها، وترك التعرض لها بالنقد والتجريح.
الديمقراطية كما يعرفون لا تعمل إلا في أجواء من الحرية الواسعة، فإذا ما حدثونا بالتفصيل عن "فضاءات الحرية الديمقراطية" وسعوها لتستوعب بزعمهم كافة تصرفات المنافقين في زمن النبوة من "لمز المؤمنين" و"إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم" و"التآمر على الدولة المسلمة"، فهل هم جادون فعلاً أن مثل هذه الحريات مكفولة في ضمن النظام السياسي الإسلامي؟!
نحدثهم عن سيادة الشريعة وضرورة تحكيمها وخطورة تخيير الناس في ذلك، فيهونون من خطورة هذا الأمر، ويدعون أن تحكيمها راجعٌ لاختيار الشعب، وأن الإسلام أقر صوراً من "التحاكم للطاغوت"، فهذه بلاد الكفار في العهد الأول كانت تدفع الجزية وتُقر على أوضاعها الحكمية والدينية من غير تغيير، وهذه كذبةٌ كما يقال لها قرون، وجهلٌ فظيع.
يتكلمون في دائرة "أهل الانتخاب" ومن يدخل في "إطار الشورى" ومن يمكنه المشاركة في "اللعبة الديمقراطية"، فإذا هي تضم أهل النفاق والزندقة، مدعين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستشيرهم ويسمع منهم (وإن يقولوا تسمع لقولهم)! وعليه جرى عمل من بعده من الصحابة فهذا ابن عوف استشار الناس وما فرز أهل النفاق من غيرهم!
المعارضة السياسية الشاملة لمختلف الأطياف والتيارات حقٌ مكفولٌ في ظل نظامهم الديمقراطي فمعارضة "البغاة" في عهد عثمان حق مشروع، وكذا معارضة "الخوارج" لعلي كلها دلائل على اتساع دوائر التعددية والمعارضة في الحياة السياسية للدولة المسلمة، وكأن علياً ما بيّن سقف الحريات للخوارج في الحياة العامة (لهم علينا ثلاث: ألا نبدأهم بقتال ما لم يقاتلونا، وألا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيها اسمه، وألا نحرمهم من الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا).
يحدثونك عن فضائل عهد الرسالة والخلافة، ومثالب ما بعده، ثم تراهم وقد ورمت أنوفهم واحمرت حين تضيق فهومهم عن استيعاب توجيه نبوي يقول: "اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك". ثم بعد هذا لا يتحرجون من الإعلان بوجوب الطاعة لمن كفر بالملة وكذب النبوة، إن جاء عبر صناديق الاقتراع المقدسة!
إنهم ببساطة يريدون طمأنتنا أن مشروعهم الإصلاحي لا يخرج عن إطار "المباح الشرعي" وهم للأسف كاذبون، أو على الأقل واهمون، وجناياتهم الشرعية باديةٌ لكل ذي عينين. إنها انحرافات أملاها هذا اللهاث وراء نظام "لاإسلامي" لجعله "إسلامياً" ولو بالقسر ولو بإعادة تشكيل "القالب الإسلامي" نفسه ليتوافق مع شكل هذا النظام.
يجب أن تعلموا إخواننا أن ديننا وعقيدتنا وثوابتنا أعز إلينا مما تدعوننا إليه، ولتذهب ديمقراطيتكم مع صنوف الاستبداد إلى الجحيم.
* * *
همسة:
أخشى على بعض من يلبس ثوب "الإصلاح" أن يكون له نصيبٌ من قوله تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون).