للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن منجزات الصحوة الإسلامية مقاومة مشروع (تغريب الإسلام) وهو مشروع تأويل مفاهيم الإسلام لتتوافق مع الثقافة الغربية المنتصرة، إما بجحد ألفاظ النصوص، أو بجحد معاني النصوص، ومحاولة التفتيش في التراث عن أي سند تراثي للمفاهيم الغربية الجاهزة مسبقاً، وهو مشروع واسع وضخم وكتبت فيه مئات الكتب المعاصرة منذ لحظة الأفغاني وحتى لحظة الجابري، وأكثر مادة متأخريهم التفصيلية استمدوها من عمالقة الاستشراق التقليدي مثل جولدزيهر وشاخت وهنري كوربان ورينان (هؤلاء الأربعة بشكل خاص)، فهي إعادة إنتاج للاستشراق التقليدي بلغة جديدة، وابتلع نتائجهم كثير من هذه المدارس الفكرية ظناً منهم أنها أبحاث لهم، وأنها أبحاث علمية جادة! والحق يقال أن المستشرقين أكثر جدية في البحث من هؤلاء المروجين كالجابري ونصر ابوزيد وعبد الجواد ياسين (وهوينقل عن الاستشراق بالواسطة) ونحوهم.

ومن أوائل الأطروحات التغريبية للاسلام التي واجهت الصحوة في السعودية أطروحات الترابي وهو يستمد سنده المعنوي بناء على تجربة سياسية نجحت مؤقتاً، وكانت أطروحاته تلك الأيام عن أصول الفقه مربكة، حتى أن أحد الفضلاء (وهو الآن خارج المنظومة الدعوية) ألقى محاضرة في الرياض عن تجديد أصول الفقه كانت إعادة عرض لأفكار الترابي (فكرة الاجماع الواسع، نفي السنة، اجتهاد العوام، العقل، رأي ولي الأمر، الخ).

فشعر الشيخ سفر الحوالي بأن أصول أهل السنة مهددة، فألقى بعدها بزمن يسير في الرياض محاضرة بعنوان (العلمانية في طورها الجديد) وقد شعر كثير من المراقبين بالربط بين الحدثين، حتى أن الشيخ احتاج لاحقاً أن ينفي ذلك وقال في درس له بعد ذلك (ولقد تعرضت في محاضرة سابقة كان عنوانها العلمانية في طورها الجديد لهذا الاتجاه ولخطره، ففهمت على أننا نتعرض لبعض الدعاة، سبحان الله! يا قوم أنتم في وادٍ ونحن في واد) وبين أن المسألة ليست في أشخاص ولكنها في اتجاه بدأ يتنامى، وقد صدق حدس الشيخ شفاه الله، فإن إعادة تعليب المفاهيم العلمانية المادية في ثياب إسلامية صار سلعة رائجة الآن!

وكتاب الإرجاء للشيخ سفر الحوالي فيه موضعان شكلا علامات تاريخية فارقة، الأول تحدث فيه عن الزندقة العصرية الجديدة (أي مشروع تغريب الإسلام)، والثاني عن ظاهرة الإرجاء بين بعض المنتسبين للسلفية الحديثية، وكلا الموضعين وضعا حداً لكثير من الانحرافات عن أصول أهل السنة.

والمراد أنه في الوقت الذي ترى فيه كل المدارس الفكرية المعاصرة بلا استثناء استسلمت للضغط الثقافي الغربي وانكسرت أمام سطوته ووقعت في شئ من تغريب الإسلام (قل أو كثر على تفاوت بينها) تجد الصحوة الإسلامية هي الوحيدة التي احتفظت برباطة جأشها ونفخت في روع أبنائها الثقة بالشريعة وبمنهج أهل السنة، وأننا قادرون على إصلاح دنيانا دون الحاجة إلى العبث بالشريعة.

ومن منجزات الصحوة الحفاظ على الفضيلة، ومقاومة مشروعات المنافقين لإخراج المرأة عن حشمتها وعفتها، وتقويض الحواجز بين الجنسين التي شرعها القرآن، وأنتجت الصحوة الإسلامية في هذا المنجز آلاف المواد الصوتية والمقروءة، وبعض الناس يحاول الالتفاف على المشكلة بالقول (لماذا يجعل الصحويون أكبر همهم مراهق في المنتديات، أوشاب طائش يعاكس) وهذا كله تزوير للواقع يعرف من يقوله أنه يكذب، فمشروع تغريب المرأة يتم عبر جيوش من كتاب الصحافة والبرامج التلفزيونية والروايات الماجنة، وخلف هؤلاء كلهم مسؤولون ليبراليون استطاعوا النفاذ إلى بعض مفاصل القرار ودعم هؤلاء العاملين في الميدان، وسوى الروم خلف ظهرك روم ..

فمن لم ير من مشروع تغريب المرأة إلا مراهق ومعاكس؛ فهو إما كاذب وإما مغفل.

<<  <  ج: ص:  >  >>