للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم: «وهذا من أحسن قلب الحجة، وجَعْل حجة المبطل بعينها دالة على فساد قوله، وبطلان مذهبه» (١).

فما يشغب به أهل البدع من أدلة يحتجون بها على أهل السُّنة، فإننا معشرَ أهل السُّنة نوقن أن كل دليل (نقلي أو عقلي) يتشبث به أهل الأهواء ضد أهل السُّنة، هو حُجَّة لنا ودليل على أهل الزيغ والبدعة، وهذا القَلْب من دلائل صِدْق المرسلين - عليهم السلام - وبراهين أهل السُّنة في صحة معتقدهم وسلامة منهجهم طوال القرون الماضية وما يُستَقبَل من أيام حتى يأتي أمر الله.

يقول ابن تيمية: « ... فهؤلاء كل ما احتجوا به من دليل صحيح؛ فإنه لا يدل على مطلوبهم، بل إنما يدل على مذهب السلف المتبعين للرسل؛ فتبيَّن أن الأدلة العقلية الصحيحة من جميع الطوائف إنما تدلُّ على تصديق الرسول، وتحقيق ما أخبر به، لا على خلاف قوله، وهي من آيات الله الدالة على تصديق الرسول التي قال الله فيها: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ} [فصلت: ٣٥]، وهي من الميزان الذي أنزله الله، تعالى» (٢).

لا عجب أن يعكف الباحث في هذه الرسالة سبع سنين؛ فهو قد اشتغل بمسائل عميقة ومباحث شائكة، هي من مَحَارات العقول، ودقائق المطالب، وخاصة أن الرسالة تجمع بين تخصصين مهمين وعميقين، وهما: أصول الفقه ومسائل الاعتقاد، وهذه مزية أخرى للرسالة؛ فإن من آفات التخصص الدقيق أن يفوِّت دراسة موضوعات مهمة تشتمل على أكثر من فن؛ إذ إن الموضوعات المشتركة والمشتملة على أكثر من تخصص قد تتقاذفها الأقسام بدعوى «عدم التخصص»، وخاصة أن هذا النوع من الموضوعات لا ينفك عن تبعات وأعباء على الباحث ... وصاحبنا قد أحكم موضوع قلب الأدلة من خلال مطالعة كتب أصول الفقه، ومدارسة أهل هذا الفن، وأعدَّ باباً مستقلاً عن قلب الأدلة، وحقيقة الاعتراض بالقلب وأقسامه، وحجية الاعتراض بالقلب وضوابطه.

عقد الباحث باباً بعنوان: «قلب الأدلة الإجمالية التي استدلَّت بها الطوائف المخالفة في توحيد المعرفة والإثبات»:

ففي الفصل الأول: قَلَب الباحثُ أدلة المخالفين في توحيد الربوبية، سواء التي استدل بها أهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، أو أدلة مسألة حلول الحوادث.

وفي الفصل الثاني: قَلَب الباحثُ أدلة المخالفين في مبحث أسماء الله الحسنى.

ثم في الفصل الثالث: ساق الباحث أدلة المخالفين من نفاة الصفات الإلهية وتعقَّبَها بالقلب عليهم، مثل: استدلالهم بالتنزيه، وتقديمهم العقل عند توهُّم تعارض العقل بالنقل، ومسألة دليل التركيب والتجسيم

ومثال ذلك أن المتكلمين استدلوا بحلول الحوادث ونفيها عن الله - تعالى - على إثبات أن الله هو الصانع، وهو في الحقيقة نفي للصانع؛ فإن الذي يصح أن تنفى عنه الصفات، أو يقال: إنه لا داخل العالم ولا خارجه؛ فمن كان كذلك فهو ممتنع الوجود؛ ولذا قال بعض السلف: المعطِّل يعبد عدماً (٣).


(١) إغاثة اللهفان: ٢/ ٢٥٤.
(٢) مجموع الفتاوى: ٦/ ٢٩٢.
(٣) قلب الأدلة: ١/ ٤٠٥ - ٤٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>