للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الباب الثالث: فعنوانه: «قلب الأدلة التفصيلية التي استدلَّت بها الطوائف المخالفة في توحيد المعرفة والإثبات»: استوعب الباحثُ فيه القلب والاعتراض على المخالفين في مسألة: أول واجب على المكلَّف، ودليل التمانع، ومقالة قِدَم العالم عند الفلاسفة، كما قلب الأدلة على نفاة صفات الله - تعالى - الذاتية والفعلية، وساق أمثلة تفصيلية في هذا الشأن، ومثال ذلك: دعوى المتكلمين بوجوب النظر، وعدم صحة إيمان العوام، احتجاجاً بعدم التقليد. يقول الباحث تميم: «وحين ننظر إلى حال ومقال المتكلمين وأهل النظر، فإننا نجد أنهم قد نالوا من التقليد المذموم أوفر الحظ وأجزل النصيب؛ فالذم بالتقليد ينقلب عليهم؛ ذلك أن القواعد النظرية التي أوجبوها لم تدل عليها حجة معتبرة ... وإنما تلقَّوها عن أسلافهم الفلاسفة والمعتزلة؛ فحين يأتي الكلام عن الاستدلال بنصوص الوحي المعصوم في أبواب الإلهيات تجد الردَّ والتزهيد وأنها تحتمل التأويل، لكن حينما يكون الكلام على القواعد الكلامية والفلسفية، فإنك ترى التمجيد تجاهها والتقديس وأنها قد صقلتها الأذهان على تطاول الأزمان!» (١).

أما الباب الرابع: فهو في قلب الألقاب التي أطلقها المبتدعة على أنفسهم، أو على أهل السُّنة:

ففي الفصل الأول من هذا الباب: قَلْبُ ألقاب الذم التي أطلقها المبتدعة على أهل السُّنة، وبيانُ أنهم هم الأحق بها، مثل تسميتهم أهل السُّنة بالمشبهة والمجسمة، ونَبْزِهم أهل السُّنة بالحشوية والنابتة والجهلة

وأما الفصل الثاني: فهو قلب ألقاب المدح التي أطلقها المبتدعة على أنفسهم، مثل دعواهم أنهم أهل العدل والتوحيد، وأهل الحق والبرهان، وأهل السُّنة

ومن ذلك: إطلاق لقب المشبِّهة على أهل السُّنة، والحقيقة أن لقب التشبيه والتمثيل ينقلب على طوائف المعطلة؛ إذ إنهم شبَّهوا أولاً ثم دفعوا ذلك بالتعطيل ونفي الصفات، وكذا شبهوا الخالق - عز وجل - بالناقصات والمعدومات؛ «ولهذا قال بعض أهل العلم: إن كل معطِّل مشبِّه، ولا يستقيم له التعطيل إلا بعد التشبيه» (٢).

«كما أن لقب المشبهة ينقلب على كثير من متأخري الأشاعرة والماتريدية ممن وقع في تشبيه المخلوق بالخالق، وذلك من جهة ما دخل عليهم من التصوف الغالي، والذي لم يُعهد مثله عن أسلافهم؛ حيث أضافوا إلى أوليائهم وأقطابهم كثيراً من خصائص الربوبية: كعلم الغيب أو التصرُّف في الكون، كما أضافوا إليهم بعض مقامات العبودية التي تفرَّد الله - سبحانه - باستحقاقها: كالاستغاثة بغير الله، والذبح لغير الله ... ونحو ذلك، فكانوا أحق بلقب المشبهة؛ إذ شبَّهوا المخلوق بالخالق في ألوهيته» (٣).

وكذا دعوى الأشاعرة والماتريدية أنهم أهل السُّنة والجماعة؛ فقد قلَبَها الباحث عليهم من عدة وجوه؛ حيث لم يحققوا ضابط أهل السُّنة فيهم، بل تحقق نقيضه؛ فقد فرَّطوا في مصادر التلقي (الكتاب والسُّنة والإجماع)، فسلَّطوا على القرآن طاغوت التأويل، وطاغوت المجاز، وطاغوت تقديم العقل على النقل ... وأن نصوص الكتاب والسُّنة ظنية الدلالة .. وعدم الاحتجاج بأحاديث الأحاد، كما أن الأشاعرة خالفوا إجماعات السلف في غالب أبواب الاعتقاد؛ فخالفوا أهل السُّنة في قواعد الشريعة وأصول الدين؛ ثم ساق الباحث شهادة أئمة السُّنة بخروج الأشاعرة من أهل السُّنة، ومن ذلك ما أخرجه ابن عبد البر عن ابن خويز منداد (ت ٣٩٠هـ): «أهل الأهواء عند مالك وأصحابنا هم أهل الكلام؛ فكل متكلِّم فهو من أهل الأهواء والبدع، أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تُقْبَل له شهادة في الإسلام أبداً ويُهجَر ويؤدَّب على بدعته ... » (٤).

وبعد أن خاض الباحث غمار مسائل عويصة، وحرر مباحث معضلة، واستوعب وأحكم كتب السلف، وغاص في أعماق مراجع أهل البدع (الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والفلاسفة)، وأجاد فهمها وأحكم نقضها، عندئذٍ ختم بحثه بهذه الكلمات: «وبعدُ: فهذا ما اقتضاه الخاطر المكدود، على عُجَرِه وبُجَرهِ، وعَلاَّته وهنَّاته، وعجزه وضعفه، فما كان فيه من صواب، فمِنَ الكريم الوهاب، وما فيه من زلل ونقصان، فمِنَ النفس الأمارة والشيطان، وأسأل الله منه الصفح والغفران» (٥).

وهكذا فالبحث الجاد والعلم النافع يورث تواضعاً وإخباتاً، وعلى هذا جرت مناقشة هذه «الموسوعة» بهدوء وخمول، وفي قاعة صغيرة، لم يحضرها إلا أربعة: الباحث ولجنة المناقشة.

المصدر: موقع الشيخ عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف


(١) قلب الأدلة: ٢/ ٩٣٤.
(٢) الصواعق المرسلة: ١/ ٢٤٤.
(٣) قلب الأدلة = باختصار: ٣/ ١٣١١ - ١٣١٢.
(٤) جامع بيان العلم: ٢/ ١٩٥.
(٥) قلب الأدلة: ٣/ ١٤٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>