وكيف يُخلط أسمى مبدأ أكرم الله به الإنسان، فعرف به ربه، وعرف من خلاله الهدف السامي الذي لأجله خلقه الله، كيف يخلط بأشد التيارات تسبّباً في تيه البشرية عن ربها وغياب الهدف من خَلْقها عن واقعها! ويكفيك أن تستحضر حقيقة أن أساتذة هذه التيارات قد خرجوا من الدنيا ولم يعلموا أعظم حقيقة فيها، وهي الهدف الذي لأجله خُلِقوا، ولأجله أقام الله سماواته وأرضه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦] ذلك الهدف الذي لم يلتبس يوماً ما على صبيان المسلمين وعجائزهم، فضلاً عن علمائهم بحمد الله.
أفلا يخجل العابثون بالحقائق من سماجة عبثهم، حينما يخلطون دين الله بتيارات الضياع والتِّيه هذه؟
ومن أسوأ ما في خلط الإسلام بالديمقراطية أن يظهر الإسلام بمظهر القاصر الذي لا يتم قصوره إلا بترقيعه من غيره، إذ من المؤكد أن الديمقراطية ذات منحى أجنبي عن الإسلام، لها تاريخها وبيئتها التي ظهرت فيها وتطبيقاتها القديمة والمعاصرة التي رسمها منظِّروها بعيداً عن الإسلام، فإذا خلطنا الإسلام بها فكأنما وجدنا فيه قصوراً احتجنا معه إلى سدِّه من الديمقراطية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى يُظْهِر هذا الخلط الباطل الديمقراطيةَ بمظهر مضلِّل، حاصِلُه أنها الحلم المنشود الذي إذا لجأت إليه المجتمعات الإسلامية حُلَّت مشاكلها واستقامت أحوالها، مع أن الديمقراطية تعاني كما رأيت إشكالات كثيرة خلَّفتها في المجتمعات التي طبقتها، لكن تجاهل الحقيقة عند أنصار الديمقراطية حملهم على إظهارها بمظهر مضلل، يعتمد الانتقائية في عرضها لهذه الأمة التي كمَّل الله تعالى بنفسه لها دينها، فلم ولن يبقى بعد إكمال الحكيم الخبير مجال لوجود نقص تحتاج معه الأمة إلى تكميل.
وأعجب لمن يزايد في دعايته للديمقراطية عندنا بمواقف تقع في البلاد الغربية لعدد من الساسة مع شعوبهم، يدلل بها على مدى رعايتهم لهم وشدة حدبهم عليهم، وكأنه لا يجد ما هو أنبل وأشرف في تاريخ أمته من مواقف لم يكن يراد بها إلا وجه الله، لا الدعاية الانتخابية التي أخذت بألباب الساسة في الغرب، فاصطنعوا مواقف وأقوالاً جذابة، رغبة في جني ثمارها عند أول سباق انتخابي قادم.
ألا يجد أبناؤنا المروِّجون للديمقراطية في سِيَر خلفاء الأمة الراشدين مواقف شامخة، تقصر دونها بمراحل مواقف من يزايدون بعرض مواقفهم؟