لقد انشغل بعض طلاب العلم بالتفكير في هذه السلبيات التي يتم طرحها على الخطاب السلفي وصدقها البعض الآخر دون روية، وكان الأولى الاشتغال بالدعوة والإصلاح والعلم النافع فهو أجدى وانفع، وهذا لا يعني قبول الأخطاء والسكوت عنها لكنه يعني أن هذه الدعاوى لم تقم على أساس صحيح بل قامت لمشاغلة المصلحين عن رسالتهم الأساسية.
ولهذا يلاحظ أن المشككين في ايجابيات الخطاب السلفي تضيق صدورهم عند إبرازها والتذكير بها، ويحاولون تشويه هذه الايجابيات بدعوى أننا بحاجة لإصلاح الأخطاء وليس لمدح النفس، أو بدعوى أن ذكر الايجابيات سوف ينسينا معرفة الإشكاليات لمعالجتها، وهي دعاوى ساقطة لان ذكر الايجابيات محفز ومشجع على المضي فيها، ولا يلزم منه تناسي الخطأ وتصويبه، ولا أعرف أحدا من شيوخ هذا الخطاب ادعى العصمة لكلامه أو لبعض شيوخه، ولكن العصمة للنصوص الشرعية وللإجماع.
ومن ظن أن الدفاع عن العلماء والدعوة ضد الهجوم الجائر الظالم سوف ينسينا التصويب والتصحيح فهو واهم في أحسن الأحوال، فالدفاع هنا هو أمام ظلم وعدوان وكذب وافتراء لا يجوز السكوت عليه بأي حال من الأحوال.
ولا أشك أن الممارسات التي تتم في نقد الخطاب السلفي الموجودة الآن هي ممارسات سلبية تحطيمية أكثر منها ممارسات ناصحة مشفقة، فالنصيحة لها أسلوبها وطريقتها والتحطيم له أسلوبه وطريقته، وعندما يصدر هذا النقد السلبي من خصم لدود سواء من الفرق أو التيارات الفكرية فإن هذا طبيعي من خصم حاقد أغاظه ظهور السنة وأهلها، ولكن المأساة عندما يصدر من إخوة من ذات الخطاب أثرت فيهم الأجواء الموبوءة فأصبحوا يرفقون بالفرق والطوائف الفكرية تحت دعوى التسامح والتوافق على المشتركات في الوقت الذي يمارسون الردح والنقد الدائم المستمر للخطاب السلفي، وكأنه لا توجد مشتركات ولا تسامح معه!!.
وهذا يؤكد أن هناك تأثرات ولوثات فكرية أصابت بعض المنتسبين لهذا الخطاب بدرجات متفاوتة، وقد كان الواجب عليهم أن يراجعوا أنفسهم وينقدوها ويصححوا ما أصابها من خلل قبل الحديث عن نقد الخطاب السلفي، لأن العليل الذي يعجز عن علاج نفسه سيكون أكثر عجزا عن إصلاح غيره، فعندما ترى شابا بدت تظهر عليه علامات التغير في تدينه فأصبح يمارس المحرمات ويتساهل في أداء الواجبات، ويتقرب إلى التيارات الفكرية والفرق الضالة، ويتعب نفسه في المقاربات والتماس ايجابياتها بحجة أن الصواب نقبله مهما كان قائله، ثم تجده ناقدا دائما للخطاب السلفي إلى درجة أنه يمكن أن تتوقع موقفه من أي حدث يخص الخطاب السلفي قبل إبداء رأيه فيه لأنه أصبح يسير على نسق وقاعدة فكرية نقدية للخطاب السلفي ... ثم بعد هذا كله يزعم أنه يريد التجديد داخل الخطاب السلفي، عندما ترى ذلك تدرك دون عناء أن المسألة ليس مجرد تصحيح للأخطاء، فهذا تسطيح للموضوع واختزال لعمق المشكلة، وهروب من مواجهتها ومعرفة مخاطرها ونتائجها السلبية.
بالله عليكم هل هذه هي صفة المجددين؟ وهل هذا أسلوبهم ومنهجهم؟ وهل ما يقوم به هؤلاء تجديد أم هدم وتحطيم؟ وهل من التجديد النقد المستمر للخطاب السلفي وترك الفرق والتيارات الفكرية، والحياد أمام مشاريعها وأطروحاتها؟ إنني أطالب هذه المجموعة من الإخوة الكرام بمراجعة الذات ونقدها وتصحيح ما أصابها، والتفكير الهادئ الصادق للمنهجية التي هم عليها، والنظرة الكلية للحالة التي وصلوا إليها فإن هذا أكثر نفعا من الاشتغال بالغير، وقولي هذا هو إشفاق وحدب ونصح لإخواني فإن التمادي في هذا الحال سوف تكون عواقبه وخيمة، وقد بدت نذرها في بعض الآراء والأفكار الغريبة.
إن الحديث الدائم عن نقد الخطاب السلفي من فئة لا تعمل على نشره، ولا تدافع عنه أمام خصومه وأعدائه، وتظهر دائما الحياد في معركة المسلمين مع المنافقين، هو حديث البطالين الفارغين الذين تركوا الجهاد ومنازلة التيارات الفكرية المفسدة لعقائد المسلمين واشتغلوا بالكلام السلبي.
إنني أعلم أنه سيخرج لي من يعطيني الموشحات الطويلة في فائدة العقلية النقدية المتسائلة، أو يفهم كلامي على أنني ضد النقد بالمطلق، وينسى كل ما تقدم ذكره في أن العصمة تكون للنصوص والإجماع وليس للأفراد، وأنني أتكلم عن حالة احترفت النقد ولها سمات معينة يمكن اكتشافها من خلال متابعة بسيطة للساحة الفكرية.
على أية حال فنحن بحاجة إلى إبراز الايجابيات في الخطاب السلفي لإعادة الثقة في النفوس التي استسلمت للنقد الجائر مما جعل البعض محبطا أو مذبذبا او حائرا مما يسمعه ويراه، ولو رجع إلى الواقع لوجد خيرا عميما وكبيرا أحدثه هذا الخطاب المبارك في المجتمع على أصعدة متعددة.
المصدر: شبكة القلم الفكرية