{هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (٣٨) سورة محمد
ومن عوامل النصر الرئيسة: الصدق مع الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (١١٩) سورة التوبة.
وليس بصادق من طلب الحيل والمخارج، يتبع هواه؛ إذا لم يألف حكم الشريعة، أو لم يجده يحقق شهوته ولذاته: تيمم نحو المقاصد يلتمس مخرجا، أو نحو المسهلين يتسهل بفتواهم، أو بحث عن متشابه ينقض به المحكم.
كلا، ليس ذاك بصادق، إنما الصادق الذي يأخذ الكتاب بقوة: {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
هو الذي يدع هواه وشهوته من أجل الله تعالى، ويستغفر الله من ألاعيب المحتالين، وتخريج الشياطين، فإن الله تعالى لا يخدعه أحد، هو خادع كل مخادع: {يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (١٤٢) سورة النساء.
من أهم عوامل النصر: الالتفاف حول الكتاب والسنة، والعمل بهما كعمل الصحابة والتابعين وتابع التابعين. ونبذ كل خلاف بعد ذلك، نبذ وترك كل مذهب أو فرقة لا تعمل بهذا الأصل الكبير.
مع خلط ذلك بإحسان الظن، والصبر على من خالف، وتعريفه المنهج النبوي بالحسنى والمجادلة الحسنة، وترك تصنيف الناس، والحكم عليهم بالضلالة بمجرد خطأ أو زلة، أو حتى ركوب بدعة.
أن تتسع القلوب للخير، والاختلاف، فما كان منه سائغا مقبولا، فلا وجه للإنكار فيه، وما كان ضلالة، فإنكار برفق، وصبر، وحلم، وتعليم ..
فعامة المسلمين محبون للدين والخير، وإنما يدخلهم الخطأ في الدين، من جهة التكوين والتنشئة، والبيئة والمصر .. وهي أمور لا يملكها الإنسان، فمن نشأ في بيئة صوفية سيكون كذلك، ومن نشأ في مجتمع متشيع، في نشئته وتكوينه، لن يكون إلا شيعيا.
فمن أراد بيان حق لأحد، وإيقافا على خطأ، ليس له من سبيل، إلا الرفق والبلاغ المبين، وعدم التسرع بالطرح والاستعداء، بداعي مخالفة الحق، والخروج عن السبيل.
واتفاق الأمة أهم سبب لحصول النصر على الصهاينة، وتخريب خرابهم وهيكلهم، والعكس بالعكس، قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.
لن نوقف الزحف الخرابي الهيكلي بمجرد المقاومة السياسية، كما يصفون. ولا بالعمل الحربي وحده. بل قبل ذلك لا بد أن نكون: عباد الله إخوانا. وعباد الله صدقا، واتباعا، وعباد الله زهدا، وإنفاقا.
ومن وعد الله تعالى - ووعيده أيضا - أنه قال: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (١١) سورة الرعد.
يعني لا يغير ما بهم من ذل إلى عز، إلا إذا غيروا ما بأنفسهم من ذل المعصية، إلى عز الطاعة.
كذلك لا يغير ما بهم من عز إلى ذل، إلا غيروا من الطاعة إلى الآثام.
ونحن نحيا، لكن ليس بالعز نحيا، وبالقطع أننا لسنا على ما يريد الله تعالى، وإلا لغير ما بنا.
من الأساليب التي اعتدنا أن نواجه بها الأزمات التي تصيبنا: أن نفر إلى التاريخ والتراث، نطلب سلوة، أو مخرجا. وتاريخنا مليء بكل ما يسلي ويكشف الهم والغم، وفيه أيضا المخارج. لكن:
هل يستحسن: أن ننظر خلفنا كلما ألمت بنا فاجعة، كالطفل يعود إلى ورائه يلتمس سندا من أبويه؟.