للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيما يتمكَّن دعاتهم من نشر مقالاتهم (١) لجؤوا للرمزية في العمل الباطني (٢)، والتظاهر بالورَع والزهد أمام العامة ومَن لا يدري خفايا منكرهم، خاصة أيام المرحلة السرية، فيبدون دماثة الأخلاق والتعبُّد والتقشُّف، والتحسُّر على ما آلَ إليه المسلمون، حتى يكثر من حولهم الأتباع فيعلنون الدعوة للإمام المستتر المنجِي من الغم نسل آل البيت، وعلى يديه الفرج وقيام الشريعة، فما اشتدَّ عودهم حتى يجهروا بالإباحية؛ فيكثر من حولهم طغام الناس وأهل الفسق كما يتكاثر الذباب على القذارة، فلا وجدوا حرامًا إلا انتهكوه، ولا كبائر إلا صيَّروها من الشعائر، فالنفاق عندهم تسعة أعشار الدين، وزنا المرأة مع محارمها من كمال إيمانها، ورضا الزوج بأن يزني جاره بزوجته أمامه ثم يبصق عليه ويصفعه بعد أن يقضي وطَرَه منها - من كمال الصبر، والخمر من أقدس المشروب، والصلاة والزكاة والصيام تسقط عنهم، فكانوا من أكفر خلق الله.

طوائف الباطنية:

الإسماعيلية: وهم رأس الباطنية؛ نسبة إلى إسماعيل بن جعفر، وهم من غلاة الإمامية الشيعة، ويطلق عليهم اسم السبعية والمباركية والباطنية.

المباركية: من أسماء الإسماعيلية الباطنية، قالت: إن جعفر نصب ابنه إسماعيل للإمامة بعده، فلمَّا مات إسماعيل في حياة أبيه علمنا أنه نصب إسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد بن إسماعيل، ونسبتهم إلى مولى لإسماعيل يقال له: المبارك.

السبعية: من أسماء الإسماعيلية، يعتقدون أن أدوار الإمامة سبعة، وأكبرهم يثبتون له النبوة التي تستمرُّ في عقبه، فبين كل نبي ونبي سبعةُ أئمَّة، وتدابير العالم السفلي عندهم منوطة بالكواكب السبعة التي أعلاها زحل، وهذا مذهب الثنوية.

القرامطة: نسبة لحمدان بن الأشعث الملقب بقرمط؛ إذ كان به قِصَر فصار ناقمًا على مَن حوله، متأففًا ممَّن يحيطون به، حاقدًا على الناس أجمعين (٣)، وكان "أكار" أبقار في القرية المعروفة بـ (قس بهرام)، وكان داهية، لقيه عبد الله بن ميمون القداح فدعاه لما هو عليه فأجابه، ثم نزل بموضع النهرين بالكوفة، وتظاهَر بالزهد والتقشُّف والتديُّن (٤)، وأقام على الدعاية حتى اجتمع عليه خلق كثير، فجهَر بمذهبه، فألقي عليه القبض؛ لكنه نجا بمساعدة جارية، فافتتن الناس به، وظنوا ذاك من الكرامات، فتكاثَر عليه الأتباع ليعلن ثورته عام ٢٧٨م.

فقتلوا الحجاج، ومنعوا الحج ثلاث سنين، وسرقوا الحجر الأسود، وادَّعى رأسهم الألوهية، وأحلُّوا ما حرَّم الله، وأباحوا الزِّنا والانحلال الخلقي، وأبطلوا الصلاة والزكاة والصيام، وأشاعوا المال والنساء بينهم، فهن بينهم دُولة من واحد لآخر، وهم من أكفر خلق الله.


(١) مصطلح "المقالة" في علم العقائد لدى القدامى يُطلَق على مصطلح "النظرية" حديثًا.
(٢) "العقائد الباطنية وحكم الإسلام فيها"؛ صابر طعيمة، ص١٣٨.
(٣) "القرامطة"؛ أحمد شاكر، ص٥.
(٤) وذي قاعدة في الدعوة لدى كل الشيعة قديمًا وحديثًا، ولك التأمُّل في كل الحركات التي أنشؤوها، ما وجدت فيهم رأس دعوة إلا تظاهَر بالتدين والورع، فما اشتدَّ عوده إلا وجهر بالإباحية، وفي عصرنا غالب مَن تشيَّع من أهل السنة - وهم نزر قليل - إن رووا لك قصة تشيعهم تجدهم أُخِذوا من ذا الباب: دماثة أخلاق الشيعي، زهده في الدنيا، تألمه وحسرته على ما يلحق المسلمين من هوان، تشكيكه في الروايات التاريخية التي تفرِّق بين المسلمين، ثم إن اطمئن للمدعو طرق له باب آل البيت، فإن فتح الباب سحبه لفسحة الخلافة والولاية والوصية، ثم ولج به قاع التشيع، وهنا قلَّ مَن دخل ثم خرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>