للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوَّل حركة باطنية إسماعيلية لإقامة دولة لها كانت باليمن على يد الحسن بن فرج، الملقَّب بالمنصور، مع علي بن الفضل، وبعد أن قوي عودهما بدأ الجهر بالمعتقدات، فقد أحلُّوا الخمور والزِّنا واللواط ونكاح المحارم من الأمهات والبنات والأخوات، وأسقطوا الصلوات، وأبطلوا الصيام وجميع المحرَّمات، ولخَّص ذاك علي بن الفضل في أبيات:

خُذِي الدُّفَّ يَا هَذِهِ وَالْعَبِي وَغَنِّي هَزَارَيْكِ ثُمَّ اطْرِبِي

تَوَلَّى نَبِيُّ بَنِي هَاشِمٍ وَهَذَا نَبِيُّ بَنِي يَعْرُبِ

لِكُلِّ نَبِيٍّ مَضَى شَرْعُهُ وَهَذِي شَرَائِعُ هَذَا النَّبِي

فَقَدْ حَطَّ عَنَّا فُرُوضَ الصَّلاَةِ وَحَطَّ الصِّيَامَ فَلَمْ يُتْعِبِ

إِذَا النَّاسُ صَلَّوْا فَلاَ تَنْهَضِي وَإِنْ هُمُ صَامُوا كُلِي وَاشْرَبِي

وَلاَ تَطْلُبِي السَّعْيَ عِنْدَ الصَّفَا وَلاَ زَوْرَةَ الْقَبْرِ فِي يَثْرِبِ

وَلاَ تَمْنَعِي نَفْسَكِ الْمُعْرِسِينَ مِنَ الأَقْرَبِينَ وَمِنْ أَجْنَبِي

فَكَيْفَ حَلَلْتِ لِهَذَا الْغَرِيبِ وَصِرْتِ مُحَرَّمَةً لِلأَبِ

أَلَيْسَ الْغِرَاسُ لِمَنْ رَبُّهُ وَرَوَّاهُ فِي الزَّمَنِ الْمُجْدِبِ

وَمَا الْخَمْرُ إِلاَّ كَمَاءِ السَّمَاءِ مُحَلٌّ فَقُدِّسْتَ مِنْ مَذْهَبِ (١) وخلال سنوات الدولة الإسماعيلية باليمن تمكَّن دعاة الإسماعيلية من إنشاء حركة لهم في سواد الكوفة والبحرين عُرِفت بالقرامطة سنة ٢٧٨هـ، ثم انطلقوا منها للبطش بالحجاج حيث عاثوا في الحرم فسادًا وقتلوا خلقًا كثيرًا، وسرقوا الحجر الأسود إلى عاصمتهم، وروَّعوا الآمنين (٢).

من دعاوى الباطنية ألوهية أئمَّتها؛ فكل رأس دعوة يدَّعي المشيخة، ثم الإمامة، ثم النبوَّة، ثم الألوهية؛ وهذا مبني على نظرية الارتقاء الحلولي الصوفي الفلسفي؛ أي: إن بمقدرة الإنسان أن يرتقي بالتأمل أو العرفان الروحي الصوفي من درجةٍ لأعلى حتى يحاكي الأنبياء، وقد يعلوهم حتى يتوحَّد مع الذات الإلهية، وهو ما يُعرَف في الديانة البراهمية بالنيرفانا، وفي التراث الغنوصي الإشراق، وفي التراث الباطني بالاتحاد؛ أي: الاتحاد بين روح العارف والذات الإلهية، وهي عملية عكسية لنظرية الحلول القائلة بحلول الذات الإلهية في أجسام البشر من المعظمين، كما قالت السبئية بحلول الذات الإلهية في الأنبياء - عليهم السلام - ثم في علي بن أبي طالب - رضِي الله عنه - وهو قول النصيرية العلويين بسوريا.

وقمَّة تطوُّر النظريتين القول بوحدة الوجود؛ أي: إن الذات الإلهية حالَّة في الوجود، بمعنى أوضح: كل ما في الكون هو الذات الإلهية، وبمعنى أقرب: القول بأن الله في كل مكان.

ومن دعاة نظرية وحدة الوجود محي الدين بن عربي الأندلسي، وسيلقي بظلال ضلاله على الطريقة العدوية الصوفية، التي سيتحوَّل أتباعها إلى اليزيدية عبَدَة الشيطان.

الإسماعلية من المعطلة؛ ينفون الصفات والأسماء عن الله - تعالى - مطلقًا " ... فلا يُقال عليه: حيٌّ، ولا قادر، ولا عالم، ولا عاقل، ولا كامل، ولا تامّ، ولا فاعل؛ لأنه المبدِع الحي القادر العالم التام الكامل الفاعل، ولا يُقال: له ذات؛ لأن كل ذات حاملة للصفات ... " (٣)، فتوحيد الله - تعالى - عندهم بمعرفة حدوده، وتنزيهه بنفي الصفات والأسماء عنه، وذا لب فلسفة أفلوطين الحديثة، بل عينها.


(١) "تاريخ الفكر الإسلامي في اليمن"؛ أحمد شرف الدين، ص٩١.
(٢) وأعادها أذنابهم من أتباع الثورة الخمينية في عصرنا، وانتهكوا حرمة مكة، وروَّعوا حجاج بيت الله الحرام.
(٣) "كنز الولد"؛ إبراهيم الحامدي، ص ١٣، ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>