للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا نظرية الخلق فهي نظرية الفيض التي تجدها عند الفارابي وابن سينا، وكلاهما من الإسماعيلية، وهذه النظرية لأفلوطين، وهي مركَّبة من خرافات عبَدَة الكواكب والنجوم، ولها امتداد عند البابليين والكلدانيين والكهنة الفراعنة، والقابالاه اليهودية في "نظرية الفوضى الخلاَّقة"، إلا أن تشقيق الكلام وزخرفته حولها (فلسفة!)، فهم يُطلِقون على الله اسم "العقل الأول" و"المبدع" و"العقل الكلي" و"النفس الكلية"، ولك أن تعجب! يصفونه بما لم يثبت لا في الكتاب ولا في السنة، وينفون عنه ما ثبت بالنص القطعي (١).

عمل الإسماعيلية إلى التوفيق والتلفيق بين الأديان، وهم من أكبر وأنشط الدعاة لنظرية توحيد الأديان، وهي ذات جذور فلسفية بغية هدم النبوَّات ليصبح الفلاسفة هم مَن يشرعون للناس عقائدهم، كما في "الجمهورية"؛ لأفلاطون، وما حاكَاه فيه الفارابي في كتاب "المدينة الفاضلة"؛ فقد جعل بإمكان الحكيم (الفيلسوف) أن يرتقي على النبي، بل هو عنده أرقى؛ إذ النبي يعلم بواسطة، والفيلسوف بجهده الفكري وملكته العقلية، وعنهم أخذ فرسان المعبد الفكرة ليضموها إلى نشاط الماسونية العالمية أكبر راعي سري وعلني بالنشاطات الاجتماعية والنوادي لدعوة التقريب بين الأديان، والبروتستانتية النصرانية أكبر راعي للفكرة من الكنائس، وكل ذاك بغية محو الأديان، وهدم الوحي، والاستعاضة بالتشريع الوضعي للفلاسفة والمفكرين ... وهم ملاحدة وضعوا العمائم على رؤوسهم أو كانوا حاسري الرؤوس.

وكمثال على التلفيق بين الإسلام والنصرانية يقول الشيعي السجستاني: "إن الشهادة مبنية على النفي والإثبات، فالابتداء بالنفي والانتهاء إلى الإثبات، وكذلك الصليب خشبتان: خشبة ثابتة لذاتها، وخشبة أخرى ليس لها ثبات إلا بثبات الأخرى، والشهادة أربع كلمات، كذلك الصليب له أربعة أطراف، فالطرف الذي هو ثابت في الأرض منزلته منزلة صاحب التأويل الذي تستقرُّ عليه نفوس المرتادين، والطرف الذي يقابله علوًّا في الجو، منزلته منزلة صاحب التأييد الذي عليه تستقرُّ نفوس المؤيِّدين، والطرفان اللذان في الوسط يَمنة ويسرة دليل على التالي والناطق، اللذين أحدهما صاحب التركيب، والآخر صاحب التأليف، أحدهما مقابل الآخر، والطرف القائم دليل على السابق الممد لجميع الحروف، والشهادة سبعة فصول، كذلك الصليب أربع زوايا وثلاث نهايات، وللزوايا الأربع والنهايات الثلاث دليل على الأئمَّة السبعة في أدوارهم، كما دلَّت الفصول السبعة في الشهادة على أئمَّة دور ناطقًا - عليه السلام - وكل طرف منها له ثلاثة أطراف، تكون الجملة اثني عشر، كذلك الشهادة اثنا عشر حرفًا ... وكما أن الشهادة إنما تكمل عند اقترانها بمحمد - صلى الله عليه وآله - كذلك الصليب إنما شرف بعد أن وجد عليه صاحب الدور" (٢).

الإسماعيلية يبطلون معجزات الأنبياء، وينكرون النبوَّات، لكن ليس بالتصريح بل بتأويلات ملتوية لقصص الأنبياء، مع تجريد النبي من أيِّ معجزة مادية، والنبوَّة عنده دور من الوحي؛ لذا هي لم تنقطع بل تستمرُّ في الأوصياء والأئمَّة، وبين كل نبي ونبي أئمة ستة، السابع فيهم هو النبي، وذا الدور مستمرٌّ من لدن آدم إلى القيامة، وللإمام أن ينسخ شريعة من قبله، ويسمون الأنبياء بالنطقاء، وآخر النطقاء محمد بن إسماعيل؛ أي: هو آخر الأنبياء (٣).


(١) والمقال لا يسع لعرض نظرية الفيض، وهي مبثوثة في كتاب "تهافت الفلاسفة"، وغيره من كتب تاريخ (الفلسفة الإسلامية).
(٢) "الينابيع"؛ السجستاني، ص (١٤٨، ١٤٩).
(٣) "طائفة الإسماعيلية"؛ محمد كامل حسين، ص (١٦٨، ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>