أولاً: العبادة والطاعة وهذه ضرورية لصفاء القلب وخلوصه من أكداره وهذا أمرٌ قد لا يُنبّه له المشغولون بالقراءة والثقافة والفكر وسعة الاطلاع، حيث يظنون أنّّ سعة العلم كافية وأنّ كثرة القراءة وحدها محصّنة للإنسان في حياته من الزيغ والانحراف، حتى إنهم يستعيضون بها عن العبادة وأفعال القُرَب فقد يؤخر أحدهم الصلاة أو يتأخر عن صلاة الجماعة أو بعضها؛ لانشغاله عما هو أهم (وهو القراءة) وقد لا يجد في صلة رحمه من الأقربين جداً واجتهاداً كالذي يقدمه في ساعات يقضيها على الشبكة المعلوماتية (وأنا أتكلم عن الجاد منها وليس عن سخافاتها) وقد لا يحرص على النوافل لأنها تأخذ منه وقتاً بل قد لا يجد ما يفرغ به نفسه لقراءة القرآن الكريم أو حفظه أو تدبر معانيه عشر معشار ما يقضيه في القراءة المبعثرة الهائمة.
إن هذه حالة يجب أن يبادر أصحابها إلى علاج قلوبهم تجاهها؛ وذلك بحمل النفس على تحمل العبادة بأنواعها مع تهيئة البال والنفس والقلب لكي يطيب بالعبادة ويأنس بها؛ فيكون ممن يرتاح بالعبادة وليس ممن يرتاح منها.
والنصيحة بالعبادة عند ورود الفتن حيث تضطرب القلوب وتصاب البصيرة بالغبش خير دليل على أهمية العبادة الطاعة والقربى إلى الله تعالى، وعلى كونها تثير البصائر عند ورود الشبهات.
ثانياً: الابتعاد عما يُقسي القلب ويُضعفه خاصةً ما عظمت الفتنة فيه في هذه السنوات مثل:
١ - مجالس المنكر ومنتدياته التي تقوم في غالبها على نشر الإلحاد والزندقة ونشر البدعة والاستهزاء بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وشريعته ودينه وعباده المؤمنين، وهي تقوم على فكر منحرف وثقافة مستوردة وتسعى إلى التشكيك ونشر الشبه بين أهل الإسلام وكفى بذلك مرضاً للقلوب؛ فهذه فيها السمّ الزعاف، ولا يجوز لأحد دخولها إلا المتمكن يريد إنكار، ومع هذا فهو حكيم يمر بها لغايةٍ يريد تحقيقها يخدم بها دينه ويردّ صولان هذه المنكرات، ثم هو يمر مسرعاً لا يقيم معها ولا يطيل بحجة معرفة المنكر بل في قلبه من حرارة الولاء والبراء ما يصرفه عنها إلى برد الإيمان والعلم والطاعة.
٢ - مجالس ومواقع قاذورات الإعلام، وفتنها وخاصة فتنة الصور وما يتبعها من مجونٍ يُقرأ أو يُسمع أو يُشاهد، وهذا يُقسّي القلب ويُضعف العبادة فيمرض صاحبه ويكون عرضةً للشبهات التي قد يقوده إليها ما تساهل فيه من الولوغ في الشهوات.
ثالثاً: أن تجعل قلبك كالزجاجة الصافية المصمتة، كما أوصى شيخ الإسلام فيكون لقلبك بصرٌ نافذٌ عند ورود الشبهات فيعرف أنها شبهة وليست علماً فيتعامل معها على هذا الوضع، وتشبيه القلب بالزجاجة فيه كثير من المعاني البلاغية والعلمية والإيمانية منها:
١ - أن القلب في هذه الحالة يكون مقابل القلب الرخو الشبيه بالإسفنجة؛ فهو صلب في إيمانه وعلمه وبصيرته واثق من منهجه غير متردد فيه ولا شاك.
٢ - أن هذا القلب صافٍ كصفاء الزجاجة البلّورية النظيفة يُبصر الأمور والمسائل على حقيقتها فيفرق بين الحق والباطل والمعروف والمنكر والدليل الصحيح والاستدلال الفاسد، والواضح من حقائق الدين والعلم والإيمان وشبهات الباطل، والخاطر الإيماني الرباني والخواطر الشيطانية؛ فإذا أقبلت الشبهة أو الفتنة أبصرها بوضوح تام فقد نُوّر هذا القلب بأنوار الإيمان والعلم والطاعة فهو يعرفها ويعرف منشأها وغايتها وأثرها الفاسد فلا يزال يراها كذلك ويتعامل معها على هذا الوجه وهذا لون من الفراسة يهبه رب العالمين لمن صفت قلوبهم وخَلَصت لربها تعالى.
٣ - أن هذا القلب صلب لأن الزجاجة مع صفائها هي مصمتة مغلقة ليس فيها كسوراً أو شقوقاً فهو لصلابته يدفع الشبه ويردها وينكرها فهي من أجل هذه الصلابة لا تجد إليه مدخلاً.
فالشبهات حول هذا القلب تدور وتحاول بأساليب متعددة ومحاولات متكررة أن تدخل ولو بفناء القلب أو عند بابه، ولكن هيهات هيهات والقلب صلبٌ مصمتٌ عن الباطل وشُبهِه، فترجع الشبهات مولّية هاربة مهزومة.
المصدر: مجلة البيان العدد ٢٧٠