للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١ - أن تتبع الرخص يكون بأخذ القول الأخف والأسهل، وأما التلفيق فحقيقته الجمع بين قولين، وبناء على ذلك؛ فإنه قد يكون بأخذ القول الأخف والأسهل، وقد يكون بأخذ القول الأثقل.

٢ - أن تتبع الرخص يكون في الحكم، ويكون في أجزائه، وأما التلفيق فإنه لا يكون إلا في أجزاء الحكم الواحد لا في جزئيات المسائل.

٣ - تتبع الرخص ليس فيه إحداث قول جديد في المسألة، وإنما يتّبع الإنسان رخصة قال بها بعض العلماء، وأما التلفيق فإن القول الناتج عنه لم يقل به أحد من العلماء، وإنما هو جمعٌ أو تصرّفٌ في أقوال العلماء.

• المبحث الثاني: حكم تتبع الرخص.

• تحرير محل النزاع:

١ - اتفق الفقهاء على أن الانتقال إذا كان للتلهي فهو حرام قطعاً؛ لأن التلهي حرام بالنصوص القاطعة، وذلك كأن يعمل الحنفي بالشطرنج على رأي الشافعي قصداً للهوى (١).

٢ - نصّ الإمام أحمد وغيره أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجباً أو حراماً ثم يعتقده غير واجب أو غير حرام بمجرّد هواه، مثل أن يكون طالباً لشفعة الجوار فيعتقدها أنها حق له، ثم إذا طُلب

منه شفعة الجوار اعتقد أنها ليست ثابتة اتباعاً لقول عالم آخر، فهذا ممنوع من غير خلاف (٢).

٣ - كما ينبغي أن يخرج من محل النزاع أن المجتهد إذا أوصله اجتهاده إلى رأي في مسألة أنه لا يترك ما توصل إليه، بل عليه المصير إلى ما أدّاه إليه اجتهاده (٣).

٤ - ما عدا ما سبق؛ فقد اختلفوا فيه على أقوال، أشهرها ثلاثة:

القول الأول:

منع تتبع الرخص مطلقاً.

وإليه ذهب ابن حزم، والغزالي، والنووي، والسبكي، وابن القيم، والشاطبي (٤).

ونقل ابن حزم وابن عبد البر الإجماع على ذلك (٥).

واختلف أصحاب هذا القول في تفسيق متتبع الرخص على رأيين:

الأول: أنه يفسق، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن القيم وغيره (٦)، وهو رأي أبي إسحاق المروزي من الشافعية (٧).

وخصّ القاضي أبو يعلى التفسيق بالمجتهد الذي أخذ بها خلافاً لما توصّل إليه اجتهاده، وبالعامي الذي أخذ بها دون تقليد (٨).

الثاني: أنه لا يفسق، وهو رواية أخرى عن أحمد (٩).

وقال بها ابن أبي هريرة من الشافعية (١٠).

واستدل أصحاب القول الأول بالآتي:

١ - أن الله _تعالى_ أمر بالردّ إليه وإلى رسوله، واختيار المقلّد بالهوى والتشهّي مضاد للرجوع إلى الله ورسوله (١١).

٢ - أن تتبع الرخص مؤدٍ إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها؛ لأن له أن يفعل ما يشاء ويختار ما يشاء، وهو عين إسقاط التكليف، فيُمنع سداً للذريعة (١٢).

٣ - أن القول بتتبع الرخص يترتب عليه مفاسد عظيمة، منها:


(١) انظر: فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٦).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٢٠/ ٢٢٠).
(٣) انظر: إعلام الموقعين (٤/ ١٦٢).
(٤) انظر: قواطع الأدلة (٥/ ١٣٤)، المستصفى (٢/ ٣٩١)، جمع الجوامع (٢/ ٤٠٠)، الموافقات (٥/ ٨٢)، البحر المحيط (٨/ ٣٨٢)، التحبير (٨/ ٤٠٩٠)،
إعلام الموقعين (٤/ ١٦٢)، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام (ص٢٠٨).
(٥) انظر: مراتب الإجماع (ص٥٨)، جامع بيان العلم (٢/ ٩٢٧).
(٦) انظر: المسودة (ص٥١٨)، إعلام الموقعين (٤/ ١٦٢)، التحبير (٨/ ٤٠٩٣).
(٧) انظر: شرح المحلي على الجمع (٢/ ٤٠٠)، البحر المحيط (٨/ ٣٨١).
(٨) انظر: المسودة (ص٥١٩)، وعن رأي القاضي قال ابن مفلح (وفيه نظر). انظر: أصول ابن مفلح (٤/ ١٥٦٤).
(٩) انظر: المسودة (ص٥١٨)، أصول ابن مفلح (٤/ ١٥٦٤).
(١٠) انظر: البحر المحيط (٨/ ٣٨١)، شرح المحلي على الجمع (٢/ ٤٠٠).
(١١) انظر: الموافقات (٥/ ٨٢).
(١٢) انظر: الموافقات (٥/ ٨٣)، حاشية العطار (٢/ ٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>