للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أ - الاستهانة بالدين، فلا يكون مانعاً للنفوس من هواها، ومن مقاصد الشرع إخراج الإنسان عن داعية هواه، والقول بإباحة تتبع الرخص فيه حث لإبقاء الإنسان فيما يحقق هواه.

ب- الانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، ثم إنه لا يوجد محرّم إلا وهناك من قال بإباحته إلا ما ندر من المسائل المجمع عليها، وهي نادرة جداً.

ج- انخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، فتضيع الحقوق، وتعطّل الحدود، ويجترئ أهل الفساد.

د- إفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم (١).

ويعضد أصحاب هذا القول مذهبهم بالآثار المروية عن السلف في ذم تتبع الرخص، ومن ذلك:

- قول الأوزاعي: "من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام" (٢).

- وقوله أيضاً: "يُترك من قول أهل مكة المتعة والصرف، ومن قول أهل المدينة السماع وإتيان النساء في أدبارهن، ومن قول أهل الشام الجبر والطاعة، ومن قول أهل الكوفة النبيذ والسحور" (٣).

- وعن إسماعيل بن إسحاق القاضي قال:" دخلت على المعتضد فدفع إلي كتاباً نظرت فيه وكان قد جمع له الرخص من زلل العلماء وما احتجّ به كلٌ منهم لنفسه، فقلت له: يا أمير المؤمنين مصنف هذا الكتاب زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد فأحرق ذلك الكتاب" (٤).

- وعن سليمان التيمي قال: "لو أخذتَ برخصة كل عالِم اجتمع فيك الشرّ كله" (٥).

القول الثاني:

جواز تتبع الرخص.

وقال به من الحنفية السرخسي وابن الهمام وابن عبد الشكور وأمير باد شاه (٦).

واستدلوا بالآتي:

١ - الأدلة الدالة على يسر الشريعة وسماحتها؛ كقوله _تعالى_:

"يريد الله بكم الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسر" (٧).

وقوله: " مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " (٨).

قول عائشة _رضي الله عنها_: "ما خُيِّر النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً" (٩) وغير ذلك من النصوص الواردة في التوسعة، والشريعة لم تَرِد لمقصد إلزام العباد المشاق، بل بتحصيل المصالح الخاصة، أو الراجحة وإن شقّت عليهم (١٠).

ونوقش/ بأن السماح واليسر في الشريعة مقيّد بما هو جارٍ على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها، بل هو مما نُهي عنه في الشريعة؛ لأنه ميلٌ مع أهواء النفوس، والشرع قد نهى عن اتباع الهوى (١١).

٢ - أنه لا يمنع منه مانع شرعي، فللإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان إليه سبيل (١٢).


(١) انظر: الموافقات (٥/ ١٠٢ - ١٠٣).
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٣٥٦)، وإسناده حسن.
(٣) أخرجه البيهقي في الكبرى (١٠/ ٣٥٦)، وإسناده ضعيف، وله شواهد ومتابعات، انظر تلخيص الحبير (٣/ ١٨٧).
(٤) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٣٥٦) وإسناده صحيح، وانظر: سير أعلام النبلاء (١٣/ ٤٦٥).
(٥) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (٢/ ٩٢٧) وإسناده صحيح، وانظر: المسودة (ص٥١٨ - ٥١٩).
(٦) انظر: المبسوط (٧/ ٢٥٨)، تيسير التحرير (٤/ ٢٥٤)، فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٦)، التقرير والتحبير (٣/ ٣٥١).
(٧) من الآية (١٨٥) من سورة البقرة.
(٨) من الآية (٧٨) من سورة الحج.
(٩) متفق عليه: أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي _صلى الله عليه وسلم_ (برقم٣٥٦٠)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل (برقم ٦٠٤٥).
(١٠) انظر: نفائس الأصول (٩/ ٤١٤٩)، التقرير والتحبير (٣/ ٢٩).
(١١) انظر: الموافقات (٥/ ٩٩).
(١٢) انظر: التقرير والتحبير (٣/ ٤٦٩)، فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>