للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونوقش بعدم التسليم؛ لأن تتبع الرخص عملٌ بالهوى والتشهّي، وقد نهي عنه.

٣ - أنه يلزم من عدم الجواز استفتاء مفتٍ بعينه، وهذا باطل (١).

ونوقش بأن اللازم باطل، بل هو مأمور بتقليد من يثق بدينه وورعه دون الاختيار المبني على الهوى.

٤ - أن الخلاف رحمة، فمن أخذ بأحد الأقوال فهو في رحمة وسعة (٢).

ونوقش بأن الخلاف ليس في ذاته رحمة بل هو شر وفرقة، ولكن مراد من أطلق الخلاف رحمة: أن فتح باب الخلاف والنظر والاجتهاد رحمة بالأمة بحيث يكون التكليف مربوطاً بما يراه المجتهد بعد النظر في الأدلة.

القول الثالث:

جواز الأخذ بالرخص بشروط، واختلف المشترطون:

١ - فقيّد العز بن عبد السلام الجواز بألا يترتب عليه ما يُنقَض به حكم الحاكم؛ وهو ما خالف النص الذي لا يحتمل التأويل، أو الإجماع، أو القواعد الكلية، أو القياس الجلي (٣).

٢ - وتبعه القرافي وزاد: شرط ألاّ يجمع بين المذاهب على وجهٍ يخرق به الإجماع (٤).

٣ - وزاد العطار على شرط القرافي شرطين، هما (٥):

أ- أن يكون التتبع في المسائل المدونة للمجتهدين الذين استقرّ الإجماع عليهم، دون من انقرضت مذاهبهم.

ب- ألا يترك العزائم رأساً بحيث يخرج عن ربقة التكليف الذي هو إلزام ما فيه كلفة.

٤ - وقيد ابن تيمية الجواز بأن يكون على سبيل اتباع الأرجح بدليله، وفي ذلك يقول:

" من التزم مذهباً معيناً ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ومن غير عذر شرعي يبيح له

ما فعله، فإنه يكون متبعاً لهواه، وعاملاً بغير اجتهاد ولا تقليد، فاعلاً للمحرم بغير عذر شرعي، فهذا منكر.

وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول، إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها، وإما بأن يرى أحد رجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر وهو أتقى لله فيما يقوله فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا، فهذا يجوز بل يجب وقد

نص الإمام أحمد على ذلك" (٦).

٥ - أما مجمع الفقه الإسلامي، فقد نصّ على أن الرخص في القضايا العامة تُعامل معاملة المسائل الفقهية الأصلية إذا كانت محقّقة لمصلحة معتبرة شرعاً، وصادرة عن اجتهاد جماعي ممن تتوافر فيهم أهلية الاختيار، ويتصفون بالتقوى والأمانة العلمية.

ونصّوا على أنه لا يجوز الأخذ برخص الفقهاء لمجرد الهوى؛ لأن ذلك يؤدي إلى التحلّل من التكليف، وإنما يجوز الأخذ بالرخص وفق الضوابط الآتية (٧):

• أن تكون أقوال الفقهاء التي يُترخّص بها معتبرة شرعاً، ولم توصف بأنها من شواذ الأقوال.

• أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخصة دفعاً للمشقة، سواء أكانت حاجة عامة للمجتمع أم خاصة أم فردية.

• أن يكون الآخذ بالرخص ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك.

ألا يترتب على الأخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع.

• ألا يكون الأخذ بذلك القول ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع.

• أن تطمئن نفس المترخّص للأخذ بالرخصة.


(١) انظر: فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٦).
(٢) انظر: الموافقات (٥/ ٦٧ - ٦٨ - ٩٣).
(٣) انظر: قواعد الأحكام (٢/ ١٣٥ - ١٣٦)، نفائس الأصول (٩/ ٤١٤٨)، حاشية العطار (٢/ ٤٤٢) ونقله عن العز بن عبد السلام في فتاويه.
(٤) انظر: نفائس الأصول (٩/ ٤١٤٩)، ونقله عنه الإسنوي في التمهيد (ص٥٢٨).
(٥) انظر: حاشية العطار (٢/ ٤٤٢).
(٦) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٢٢٠ - ٢٢١).
(٧) انظر: قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (ص١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>