لكن الشيطان الذي تعهد بإضلال بني آدم إلى يوم يبعثون، وأعوانه بل أقرانه الذين ما فتئ الشيطان يتعلم منهم فنون المكر والتآمر، عمدوا إلى إحباط هذا الأمل العظيم من طريقين:
الأولى: تضخيم هذه العودة الإسلامية البريئة - بل الساذجة في كثير من مظاهرها - وتسميتها "يقظة العملاق"، و"قوة الغد"، و"صحوة الإسلام"، ونحو ذلك مما هو إغراءٌ صارخٌ للقوى العالمية ووكلائها المحليين باستئصال هذه النبتات الغضة في مهدها، مع أن الحقيقة أنه حتى هذه اللحظة ما تزال ظاهرة العودة في العالم الإسلامي متأخرة عملياً عما وصلت إليه في البلاد الأخرى، حيث وصلت هناك إلى دفّة الحكم أو قاربت!!
إن الإعلام الغربي لا يستكثر على "الدالاي لاما" المطالبة بدولة بوذية مستقلة عن الصين، بل لم يستكثر على الهندوس المتعصبين أن يحكموا الهند، وإنما يستكثر على أمة الإسلام العظيمة الممتدة من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي أن يكون في بعض جامعاتها شباب متدينون، ويستغرب وجود جامعات غير مختلطة، أو جامعيات غير متبرجات، مع أن ذلك لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من الانتشار السكاني الهائل للأمة.
يستكثرون ذلك ويستغربونه، ويتابعهم عليه في بلاد الإسلام من يتابعهم، مع أن الأصل في الأمة الإسلامية ألا تنحرف ولا تنبهر، مع أن الأصل في المسلم إذا انحرف وعصى أن يتوب ويستقيم.
إن الأصنام العصرية الكبرى تعرضت لنسف تماثيل "لينين"، و"ستالين"، وتماثيل "ماو"، وتماثيل "شاوسكو" بمباركة الغرب إلا صنماً واحداً يحرسه الإعلام الغربي أكثر مما يحرس تماثيل المسيح عليه السلام، ذلك هو صنم "أتاتورك"!!
تماماً مثلما ضاقت باريس - عاصمة النور والحرية عند كثير من المخدوعين - بغطاء رأس فتاة مسلمة من بين ألوف الأزياء والموضات!!
ومثلما ضاقت دولة الحياء والكرامة الإنسانية و .. "سويسرا"!!
في نظر الغرب لا ضير في عودة الملايين إلى أسفار "فيدا"، وتعاليم "بوذا"، أما عودة بعض أمة الإسلام إلى نور القرآن وهدي محمد صلى الله عليه وسلم فهي وحدها نذير الشؤم، وداعية الويل والثبور، وعظائم الأمور!!
وليس أعجب حالاً من هؤلاء إلا من يصدقهم ويجاريهم من أبناء جلدتنا المستغربين، أو من يأخذه الغرور بقولهم من التائبين العائدين.
نعم إن إفلاس المذاهب الأرضية في العالم الإسلامي وسقوط ممثليها أصبح حقيقة ثابتة وقد جرى ذلك وفق سنة إلهية ثابتة.
ولكن رجوع المسلمين إلى الإسلام ما يزال في أول بشائره، وأمامه عقبات كبرى ذاتية خارجية، كما أن له سنته الإلهية الأخرى التي ما لم يرعاها ويسير بمقتضاها فلن نصل أبداً.
الثاني: استنفار أفاعي "الطابور الخامس" من قطّاع الطريق إلى الله الذين عملوا منذ عهد عبد الله بن سبأ، والجعد بن درهم، وبشر المريسي، والنظام (١) .... إلخ، لنسف القلعة الإسلامية من داخلها، وإجهاض كل محاولة لرفع هذه الأمة إلى القمة التي أراد الله أن تكون عليها.
فأما العدو الخارجي: فللحديث عنه مواضعه الأخرى، وما عداؤه لنا، واستعداؤه علينا بجديد، وما هو بالذي يُحسب له كل هذا الحساب لو كنا في أنفسنا أمةً تعيش وتسير كما أمر الله، فالله تعالى يقول: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} *آل عمران: ١٢٠*. ونحن قد فقدنا الخصلتين كلتيهما إلا من رحم الله.
وأما قُطّاع الطريق فهم لعمر الله آفة هذه الأمة قديماً وحديثاً، وهم "حصان طروادة" الذي ما دخلت إلينا الأفكار الغربية قديمها وحديثها إلا من خلاله وبآثاره.
(١) ذكر الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء (١٠/ ٥٤٢) أنه كان برهميا، فأراد أن يبرهم الإسلام عن طريق الاعتزال، كما أراد عبد الله بن سبأ أن يهوده عن طريق التشيع!!.