للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن هذا عبر شاعر المعرة بقوله:

فوا عجباً كم يدّعي الفضل ناقصٌ ... ووا أسفا كم يُظهر النقص فاضلُ

إذا وصف الطائي بالبخل مادرٌ ... وعير قسًّا بالفهاهة باقلُ

وقال السهي: يا شمسُ أنتِ خفيةٌ ... وقال الدجي: يا صُبح لونك حائلُ

وطاولت الأرضُ السماءَ سفاهةٌ ... وفاخرت الشهب الحصى والجنادلُ

فيا موت زُرْ إن الحياة ذميمةٌ ... ويا نفس جدِّي إن دهرك هازلُ

إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا عن أصحاب جهنم أنهم يقولون: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} *الملك: ١٠*. فنفهم من هذا: أن الكفار لا سمع لهم ولا عقل، وأن المؤمنين أهل السنة والجماعة هم أصحاب السمع الصحيح، والعقل الكامل؛ من جهة أنهم يتلقون عن القرآن والسنة الصحيحة، ويستخدمون قوة العقل، وملكة الفهم للتمييز بين الحق والباطل، وأن أصحاب البدع أصحاب فساد في السمع وخلل في العقل.

ومن فساد السمع التلقي عن الدجالين والكهان والمشعوذين، أو الفلاسفة والملاحدة والصابئين، والاستشهاد بالروايات الموضوعة والواهية.

ومن فساد العقل عندهم تحريف معاني النصوص الصحيحة، والتأويلات الباطلة، وضرب الوحي بعضه ببعض من أجل تغيير البدعة التي لا أصل لها فيه.

فللمعرفة إذن مصدران لا ثالث لهما:

١ - إما الوحي، والعقل السليم، والفطرة المستقيمة، كل منها يصدق الآخر، وهذا من نصيب أهل السنة والجماعة دون سائر الفرق والملل.

٢ - وإما الأساطير والأوهام والتخرّصات والخيالات والوساوس، وهذه تسمّيها كل ملة منحرفة باسم تزعمه:

فالكفار أصحاب النظريات الكونية والنفسية المخالفة للوحي يسمونها "حقائق علمية"، وهؤلاء كذّبهم الله تعالى وهدم منهجهم بآية واحدة من كتابه: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} *الكهف: ٥١*.

والفلاسفة ومن حذا حذوهم من المتكلمين المنتسبين للإسلام يسمونها "البراهين" أو "القواطع العقلية"، وهؤلاء ساروا على المنهج الإبليسي في معارضة الوحي بالرأي {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} *الأعراف: ١٢*.

والمشعوذون والدجّالون وغلاة الصوفية المنتسبون للإسلام يسمونها "كشفاً وفيضاً ووجداً وذوقاً ... "، وهؤلاء اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما ورثوه من تعاليم هاروت وماروت، وسحرة الفراعنة، وكهّان الهندوس، وأصحاب البدود (١)، كما كانوا يسمونهم.


(١) وهم البوذيون، فأصل الكلمة واحد (بوذا) أو (بذ) ومعناها: العارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>