للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللحديث طريقٌ أخرى صححها ابن حبان (٥٦٠١)؛ من حديث: مسلم بن خالد (الزنجي)، عن شريك بن أبي نمر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس للنساء وسط الطريق). قلت: ومسلم بن خالد الزنجي من مشاهير الفقهاء في زمانه، حتى قال إبراهيم الحربي: كان فقيه أهل مكة. وكان من أهل الفضل كما قال ابن سعد: كان فقيهاً عابداً يصوم الدهر، وكان كثير الغلط في حديثه.

قلت: إنما تكلموا فيه لسوء حفظه كما قال ابن سعد.

والحديث بمجموع طريقيه فيه قوّة؛ وله شواهد من حيث المعنى، كما في حديث أم سلمة المتقدم.

الدليل العاشر:

ما جاء في الصحيحين (البخاري ١٠٨٨، ومسلم ١٣٣٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها)، وفي رواية: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم).

الدليل الحادي عشر:

ما جاء في الصحيحين أيضاً (البخاري ١٨٦٢, ومسلم ١٣٤١) مرفوعا: (لا يخلو رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم, ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انطلق فحج مع امرأتك).

والحكمة في هذا ظاهرة، وهي الحفاظ على المرأة لئلا تحتاج إلى الرجال الأجانب في قضاء حوائجها أثناء السفر, فتختلط بالرجال فإذا كان معها محرم منها فسيكفيها ذلك.

الدليل الثاني عشر:

ما رواه البخاري (٥٢٤٠, ٥٢٤١) من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تباشر المرأةُ المرأةَ فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها). وأخرجه أحمد (٣٦٠٩٢) والطبراني في الكبير (١٠٢٤٧) بلفظ: (لا تصفن المرأة لزوجها المرأة كما ينظر إليها).

ووجه الشاهد من هذا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى النساء أن يصِفن لأزواجهن النساء الأخريات؛ كأنهم ينظرون إليهن, وذلك خشية الفتنة.

فإذا كان وصف المرأة للأخرى بحضرة الرجال الأجانب لا يجوز؛ فمن باب الأولى عدم جواز اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات عنهم؛ لأنهم والحالة هذه لا يحتاجوا إلى وصف هؤلاء النسوة؛ لاختلاطهم بهن ونظرهم إليهن, وهذا أبلغ في الفتنة من الوصف؛ فأيهما أولى بالتحريم؟

الدليل الثالث عشر:

ما جاء في الصحيحين (البخاري ٢٠٣٥، ومسلم ٢١٧٥) في قصة صفية بن حيي عندما زارت صلى الله عليه وسلمفي معتكفه فقام معها ليوصلها إلى حجرتها فمر في أثناء ذلك رجلا من الأنصار فأسرعا لكي يبتعدا عن أهل صلى الله عليه وسلمفقال: (على رسلكما إنها صفية) فقالا: سبحان الله يا رسول الله, فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا).

والشاهد من هذا: أن الرجلين الأنصاريين عندما رأيا صلى الله عليه وسلموأهله, ابتعدا؛ مع أن الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على الإتيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, والسلام عليه والجلوس معه, فما منعهم من ذلك إلا أهله.

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما) ليس لعدم مشروعية هذا الفعل, وإنما دعاهم إلى عدم الإسراع حسب, وأن التي معه هي زوجته لئلا يقذف الشيطان في قلوبهما شيئا؛ كما بين ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام, وهذا يدل على أن المتقرر عندهم أن الرجل يبتعد عن النساء الأجنبيات.

الدليل الرابع عشر:

<<  <  ج: ص:  >  >>