للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني أن النوع الثالث من أنواع القياس، قياس الشبه، وهو أن يكون الفرع مترددا بين أصلين أو أكثر فيلتحق في الحكم بأكثرهم شبها في الصفة (١).

بناءً على ذلك يكون للنشيد ثلاثة أحكام:

الحكم الأول للنشيد: إباحة سماع النشيد واستماعه إلحاقا له بالنَصْب والحُداء، الذي جاءت الرخصة بإباحته مقيداً، فيما إذا كان النشيد موافقا لهما في الألحان والمقاصد والكلمات، ويتحقق ذلك بالشروط التالية:

الشرط الأول: في الألحان. أن تقع على أصل الخلقة دون تكلف وتصنع، بأن تقع بتطريب وترجيع يسيرين دون الألحان المتكلفة الموزونة على النغم الموسيقي المطرب، بله (دع) الألحان المائعة الماجنة، قال ابن قدامة (٢) - رحمه الله -:"وأما الحُداء فمباح لا بأس به في فعله واستماعه، وكذلك نشيد الأعراب، وسائر أنواع الإنشاد، ما لم يخرج إلى حد الغناء".

الشرط الثاني: أن لا يُقصد من سماعه التعبد كشأن أهل السماع الصوفي البدعي (٣)، أو اللذة والطرب كشأن أهل الغناء الفسقي، بل شيء من الترويح والنشاط، قال الشاطبي (٤) - رحمه الله -:" ولم يكن فيه - أي النشيد المباح - إلذاذ ولا إطراب يُلهي، وإنما كان شيء من النشاط".

الشرط الثالث: أن لا تشتمل كلماته على معنى محظور في الشرع، كأن يكون النشيد وسيلة لدخول بدع الصوفية، أو وسيلة لترويج الشعارات القومية، والوطنية، والحزبية عن طريقه أيضا (٥).

الشرط الرابع: أن لا يشتمل على دف، بله (دع) بقية المعازف، قال الشيخ محمد العثميين (٦) - رحمه الله -:"الأناشيد الإسلامية لا تخلو من حالين، أولاً: أن يكون فيها ضرب بالدف، وفي هذه الحالة تكون حراما؛ لأنها مشتملة على اللهو الذي لا يُباح في مثل هذه الحالة".

الشرط الخامس: "أن لا تُتخذ ديدنا، وتُتخذ موعظة للقلب يتلهى بها الإنسان عن مواعظ الكتاب والسنة، فإنها تكون حينئذ إما محرمة وإما مكروهة؛ لأنها تصد عن كتاب الله، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (٧).

الشرط السادس: أن لا يحدث بسببها مفسدة في الدين كالتلهي عن سماع القرآن والعلم الشرعي به، أو في أمور الدنيا، كتضييع بعض الواجبات والمصالح المهمة بسبب الاشتغال به.

وضابط هذه الشروط هو:"الحد الذي كان يُفعل بين يدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه، ومن يُقتدى بهم من أهل العلم (٨)، ويخرج بهذا القيد من لا يجوز الاقتداء بهم، وهم في هذا الباب صنفان: أصحاب السماع الفسقي من أهل الغناء، وأصحاب السماع الديني المُحدث من أهل الطرق الصوفية البدعية.

الحكم الثاني للنشيد: أن يلحق بغناء أهل الفسق في الذم والكراهة، وذلك إذا وافق النشيد غناء أهل الفسق في ألحانه أو كلماته أو مقاصده، ويكون ذلك في الحالات التالية:


(١) انظر: نفس المكان.
(٢) المغني (٩/ ١٧٦.)
(٣) [الشيخ ابن جبرين - حفظه الله -: " المراد: التعبد بسماعه، فأما التعبد بنفعه وتأثيره في السامع فهذا ينبغي أن يُتخذ قُربة وعبادة، فإن كثيرا من الفسقة والفجرة وأهل الجرائم اهتدوا بسماع نشيد إسلامي يحتوي على التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار.
وهكذا هناك من بذلوا الأموال في سبيل الله، وبذلوا النفوس، وصبروا على الأذى، وتحملوا المشاق بعد أن سمعوا هذه المواعظ في تلك القصائد. والقصص بذلك كثيرة ".]
(٤) الاعتصام (١/ ٤٣٦).
(٥) البيان لأخطاء بعض الكتاب، الفوزان (ص ٢٨٧) بتصرف يسير.
(٦) البيان المفيد، جمع: السليماني (ص: ١٤).
(٧) المصدر السابق، فتوى الشيخ محمد العثيمين (ص: ١٥).
(٨) الاعتصام (١/ ٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>