للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: يا بني تلوم أهل الري، على قولهم: يوسف ابن الحسين زنديق، ومن وقت الصلاة هو ذا أقرأ القرآن، لم تقطر من عيني قطرة، وقد قامت عليّ القيامة بهذا البيت" (١).

وهل يعذر المرء في أحوال السماع الفاسدة وهي في غير مقدوره؟ قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -:"قال بعض العارفين: إن أحوال السماع بعد مباشرته تبقى غير مقدورة للإنسان، بل خارجة عن حد التكليف، وهذا غير معذور فيه؛ لمباشرته أسبابه؛ فهو كمن زال عقله بالسكر (٢).

١١ - العناية بالنشيد المطرب، والاشتغال به في أكثر الأوقات على وجه أنه طاعة وعمل صالح، قال الشيخ عمر الأشقر (٣) - حفظه الله -:"وجاوز أقوام الطريق، فأصبح الإنشاد والغناء شغلهم الشاغل، وأحدثوا له أنغاما، ورققوا أصواتهم، حتى أصبح فنا، لا أقول هذا عن الفساق من المغنيين والمغنيات، وإنما مرادي أولئك الذين اتخذوا هذا دينا يقربهم إلى الله تعالى، وشغلوا بذلك أوقاتهم، وهجروا قرآن ربهم".

١٢ - جعل الأناشيد الملحنة المطربة من جنس أعمال القربى التي تفتقر إلى إخلاص النية فيها لله وحده دون سواه، كما تفتقر الطاعات والعبادات المحضة لذلك، فيقال مثلا - عند ابتداء الأناشيد أو ختامها -:"نسأل الله عز وجل أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه"، أو"نعوذ بالله أن نخلط عملنا هذا برياء" أو نحو هذه الكلمات التي تنوى عند ابتداء الطاعات والعبادات المحضة.

ولا يصح أن يقال: النشيد الملحن المطرب من جنس شعر الدعوة الإسلامي، الذي نصّ الفقهاء على استحبابه وعدوه من الطاعات والأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله؛ لما يتضمن من الدفاع عن الدين، والذود عن حياضه، والتزهيد في الدنيا .. وما كان كذلك فهو مفتقر إلى إخلاص النية وتصحيحها، وذلك لأن النشيد بهذه الصفة ليس شعرا فقط، وإنما هو شعر مضاف إليه التلحين المطرب، وإباحة شيء أو استحبابه لوحده ليس دليلا على إباحته مع غيره؛ قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "لأن التركيب له خاصية تؤثر على الحكم، ألا ترى أن الماء مباح فإذا أضيف إليه تمر على هيئة خاصة أصبح (نبيذا) محرما".

"وهذا نظير ما يُحكى عن فقه إياس بن معاوية، أن رجلا قال له: ما تقول في الماء؟ قال: حلال. قال: فالتمر؟ قال: حلال. قال: فالنبيذ ماء وتمر فكيف تحرمه؟ فقال له إياس: أرأيت لو ضربتك بكفٍ من تراب أكنت أقتلك؟ قال: لا. قال: فإن ضربتك بكف من تبن، أكنت أقتلك؟ قال: لا. قال: فإن ضربتك بماء أكنت أقتلك؟ قال: لا. قال: فإن أخذت الماء والتبن والتراب، فجعلته طينا، وتركته حتى يجف، وضربتك به أكنت أقتلك؟ قال: نعم. قال: كذلك النبيذ".

" ومعنى كلامه أن المؤثر هو القوة الحاصلة بالتركيب، والمفسد للعقل هو القوة الحاصلة بالتركيب" (٤) انتهى، وكذلك ما نحن فيه" (٥).


(١) تاريخ بغداد للخطيب (١٤/ ٣١٨)
(٢) الكلام على مسألة السماع (ص: ٤٠٠).
(٣) جولة في رياض العلماء (ص: ٥٩).
(٤) الكلام على مسألة السماع، ابن القيم (٢٧٠ - ٢٧١).
(٥) [الشيخ ابن جبرين - حفظه الله -: " هذا الوصف ينطبق على سماع الصوفية الذي يحصل من آثاره طرب ونشوة ورقص وتمايل يُشبه حال أهل السكر، ولهذا أنشد ابن القيم قول الشاعر:
تُلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة ... لكنه إطراق ساهٍ لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا ... والله ما رقصوا لأجل الله
إن لم يكن خمر الجسوم فإنه ... خمر العقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوانٍ عند شرابه ... وانظر إلى النسوان عند ملاهي
وانظر إلى تمزيق ذا أثوابه ... من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي
واحكم فأي الخمرتين ... أحق بالتحريم والتأثيم عند الله"
]

<<  <  ج: ص:  >  >>