للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأزيدك بياناً .. بأن ذوي الفكر المنحرف وأتباع الشهوة ليس لديهم أي مشكلة مع مفهوم الاختلاط المحتشم، بل هم من أحرص الناس على إشاعته والترويج له بين الناس؛ لأنهم يعلمون أن القبول بالاختلاط المحتشم هو قبول بكل الاختلاط، وأن ما هم عليه من تفسّخ وخلاعة وانحلال هو من الاختلاط الذي لن يكون بعيداً عن الاختلاط المحتشم.

((الوهم الثالث)):

[أن المجتمع في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم كان مجتمعاً مختلطاً، ويسوقون في سبيل ذلك النصوص الدالة على حضور النساء في بعض مجامع الرجال في ذلك العهد الطاهر] ..

وهذه الطريقة في الاستدلال فيها خلط واشتباك سبّب هذا التشويش في النظر:

[أولاً]:

من جهة عدم التفريق بين النصوص الواردة قبل الأمر بالحجاب وما جاء بعده، فالقائلون بالاختلاط يسوقون النصوص من غير تمييز، مع أن الأمر بالحجاب جاء متأخّراً وكان النساء قبل ذلك على ما كنّ عليه قبل الإسلام، فمن الضروري أن يميز النصّ فيما كان قبل آية الحجاب وفيما كان بعده، غير أن الكثيرين يسوقون النصوص ليتشبثوا بها على جواز الاختلاط بغضّ النظر عمّا يلزمهم في هذه الطريقة من لوازم شنيعة.

(خذ مثلاً): يستدلّ بعضهم على الاختلاط بدخول النبيّ صلى الله عليه وسلم على أم سليم ومنامه في بيتها وتفليتها لشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في القصة الشهيرة، وقد تكلّم العلماء عليها وحملوها على محامل كثيرة تجتمع فيها الدلائل الشرعيّة ..

لكنّ بعض الناس يسوقها ليدلل بها على الاختلاط .. ولو تأمل لعلم أن الحكم في الحديث ليس اختلاط فقط، بل خلوة ونوم في بيت أجنبية وقيام المرأة بمسّ الرجل .. فهل هذه كلّها جائزة أيضاً .. ؟

هنا يظهر دور العالم الفاحص الذي يجمع النصوص ليتوصّل بها للحكم الشرعي لا من ينتزع الدلائل المحققة لغايات البحث المقصود.

والأمر الثاني من الخلط في هذه النصوص: أن جميع النصوص تدلّ على اختلاط جاء لحاجة أو لعارض أو لطارئ تؤمن فيه الفتنة ولا يتصوّر فيه إثارة، وهذا الأمر لا ينازع فيه أحد ولا يقول أحد فيه شيئاً، فالمرأة تسلّم على قريبها أو تسأل المفتي أو تدخل سوقاً لحاجتها أو تدخل مسجداً لتؤدي الصلاة وكلّ هذه حالات خلطة لا إشكال فيها وهي قريبة من النصوص التي يسوقونها في مجتمع النبوّة.

[الخلاف بيننا]: هو في مجتمع (مختلط) ترتفع فيه (الكلفة) و (الحشمة) بين الرجال والنساء ليحصل اللقاء دوماً في المدارس والعمل والأعراس والمطاعم فهل كان الناس في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم كذلك؟

وكيف يكون حالهم كذلك .. والمرأة تحثّ على ترك الصلاة في المسجد، وإن أبت فتلزم بترك التزين والتطيب وتتوعّد عليه، وتحثّ على ترك الاقتراب من الرجال وهي وهم في صلاة في المسجد جماعة، ويضع النبيّ صلى الله عليه وسلم للنساء باباً خاصّاً وينهى الرجال عن الدخول منه، ويأمر الرجال أن يمكثوا قليلاً بعد الصلاة لينصرف النساء ..

وهذه الاحتياطات في [العبادات الجماعيّة التي تقام في بيوت الله] وليس في [مقاعد السينما ونوادي الرياضة]؟

<<  <  ج: ص:  >  >>