إن النصوص التي يسوقونها -لو تأملوا- دليل عليهم؛ لأنها تدلّ على أن الاختلاط كان عارضاً وطارئاً لأجل ذلك احتاجوا لجمع الأدلة عليه، ولو أن الاختلاط هو الأصل والسائد لأصبح معلوماً بالضرورة من غير حاجة لمثل هذا الحشد، فلستَ بحاجة لأن تعلم أن الرجال في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون في المسجد ويسلمون على بعض وينامون في بيوتهم ويتزوجون ويأكلون لأن هذا من الأمور الظاهرة المشتهرة، فلو كان ثمة اجتماع دائم بين الرجال والنساء لكان من المعلوم الذي يتناهى علمه إلى الجميع لا أن يتوصّل إليه من خلال حشد النصوص من قبيل (دخلت امرأة فسلمت) و (قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم) ونحو هذه الدلائل.
خاتمة القول:
إن الاختلاط (وهمٌ) وقع فيه بعض الفضلاء لتأويل واجتهاد يعذرون فيه، ويقبل منهم أكثر حين نعلم أنهم درجوا في بيئات مختلطة فلم يكن قولهم بجواز الاختلاط أثراً في نشر الفساد والانحراف، بل كان سيكون لقولهم بمراعاة الضوابط الشرعيّة دوراً إيجابيّاً في تخفيف الشرّ الحاصل من غلواء هذا الاختلاط.
وأما إشاعة القول في مجتمعات محافظة سليمة من الاختلاط وآثاره، قد رفضه المجتمع ديانة ونخوة وحمية وعادة، فهو (همّ) يقلق بعض الناس يصبح معهم وينام ويستميتون في الترويج له، وهي لوثة فكرية تستر نفسها بعباءة فقهية، فالفقيه غيور على حرمات الناس ثائر في وجه المنكرات وألوان الفساد وليس عجلة في قطار الزجّ بمجتمعات المسلمين في متاهات الكهوف المظلمة بالفساد والريبة.
لا زلت غير قادر على فهم من يدّعي (المسلك) و (الخلاف الفقهي) في هذه المسألة، حين يسطّر عشرات المقالات بجهادٍ متواصل لاستحثاث الخطى لفكّ قيود الاختلاط بينما لا يجود قلمه بنقطة حبر عن الاختلاط (الآثم) الموجود في كثير من المجامع مما يسلّم بحرمته إبليس، بل إنّ الإنكار على صور الاختلاط فيها يجعل ذلك الشخص يتذّكر مسألة الاختلاط المباح المحتشم ..
فهل هذا كلّه مجرّد خلافٍ فرعيّ وتَقَفٍٍّ لجواد الفقهاء؟