للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول - رحمه الله -: "إنَّ المُشَابَهة في الظاهر تورِّث نوعَ مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابَهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة"، فإذا كانت المشابَهة في أمور دنيويَّة تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإنَّ إفضاءَها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تُنافي الإيمان؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} (١)، وقال تعالى فيما يذم به أهل الكتاب: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (٢)، فبَيَّنَ - سبحانه وتعالى - أنَّ الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان؛ لأنَّ عدم اللازم يقتَضِي عدم الملزوم.

وقال - سبحانه -: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٣)، فأخبر - سبحانه - أنَّه لا يوجد مؤمن يوَادّ كافرًا، فمَن وادَّ الكفَّار فليس بمؤمن" (٤).

وقال ابن حزم: "صحَّ أنَّ قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (٥)، إنَّما هو على ظاهره بأنه كافر في جُملة الكفَّار، وهذا حقٌّ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين" (٦).

يقول ابن كثير: "وقوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (٧)؛ أي: شك، وريب، ونفاق، {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}؛ أي: يُبادرون إلى مُوالاتهم ومَودتهم في الباطن والظاهر (٨).

ومِن مَظاهر المُوالاة الممنوعة:


(١) [المائدة: ٥١ - ٥٣].
(٢) [المائدة: ٧٨ - ٨١].
(٣) [المجادلة: ٢٢].
(٤) "اقتضاء الصراط المستقيم"، ص١٩٠، ١٨٩.
(٥) [المائدة: ٥١].
(٦) "المحلى"، ١٣/ ٣٥.
(٧) [المائدة: ٥٢].
(٨) "تفسير القرآن العظيم" لآية المائدة (٥١)، ٢/ ٦٦،٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>