للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال الله عنهم في مُحكم التنزيل: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (١).

يقول الشيخ ناصر السعدي - رحمه الله -:

{بَشِّرِ المُنَافِقِينَ}؛ أي: الذين أظهَرُوا الإسلام، وأبطنوا الكُفرَ، بأقبح بشارة وأسوئها، وهو العذاب الأليم، وذلك بسبب محبتهم الكفار، وموالاتهم، ونصرتهم، وتركهم لموالاة المؤمنين، فأي شيء حملهم على ذلك؟

{أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ}: وهذا هو الواقع من أحوال المنافقين؛ ساء ظنُّهم بالله، وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين، ولحظوا بعض الأسباب التي عند الكافرين، وقصر نظرهم عما وراء ذلك، فاتَّخذوا الكافرين أولياء، يتعزَّزون بهم ويستنصرون.

والحال أنَّ العزَّة لله جميعًا، فإنَّ نواصي العباد بيده، ومشيئته نافذة فيهم، وقد تكفَّل بنَصْر دينه وعباده المؤمنين، ولو تَخَلل ذلك بعض الامتحان لعبادِه المؤمنين، وإدالة العدو عليهم إدالة غير مستَمرَّة، فإنَّ العاقبة والاستقرار للمؤمنين.

وفي هذه الآية الترهيب العظيم من مُوَالاة الكافرين، وترْك موالاة المؤمنين، وأن ذلك من صفات المنافقين، وأنَّ الإيمان يقتَضي محبَّة المؤمنين وموالاتهم، وبُغْض الكافرين وعداوتهم" (٢).

٣ - يريدون عرَض الحياة الدنيا:

كما قال الله تعالى عنهم: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (٣).

يقول ابن كثير - رحمه الله -: "يُخبِر - تعالى - عنِ المنافقين أنهم يتَرَبَّصون بالمؤمنين دوائر السوء؛ بمعنى: ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكُفر عليهم، وذهاب ملتهم، {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ}؛ أي: نَصْر وتأييد وظفر وغنيمة، {قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ}؛ أي: يتودَّدُون إلى المؤمنين بهذه المقالة، {وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ}؛ أي: إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان كما وقع يوم أحد، فإنَّ الرسُل تبتلى ثم يكون لها العاقبة" (٤).

٤ - يحسدون أهل الإيمان على ما آتاهم الله من فضله:

كما قال - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاَءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (٥).


(١) [النساء: ١٣٨، ١٣٩].
(٢) "تفسير السعدي"، ص٢٠٩ - ٢١٠.
(٣) [النساء: ١٤١].
(٤) "تفسير ابن كثير"، ١/ ٤٨٧، (ط. دار القلم).
(٥) [آل عمران: ١١٨ - ١٢٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>