١ - قوله _تعالى_: "إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا" (التوبة: من الآية٢٨).
فهذه الآية تدل على أن المقصود بالمسجد الحرام هو الحرم كله وليس المسجد فقط، قال ابن حزم بلا خلاف. (المحلى ٤/ ٢٤٣).
ونوقش هذا الاستدلال بأن الله _تعالى_ قال: "فَلا يَقْرَبُوا" ولم يقل: فلا يدخلوا، فالمشرك عندما يأتي إلى حدود الحرم فإنه يصبح قريباً من المسجد مما يدل على أن المقصود بالمسجد الحرام في هذه الآية عين المسجد ويجاب عن ذلك بأنه ليس من المسلم أن مقصوده فلا يقربوا المسجد الحرام أي عين المسجد لأنه قربا لكافر من الحرم لا يلزم منه قربه من ذات المسجد وخاصة في العهد القديم وانعدام الوسائل الحديثة فبعض حدود الحرم تبعد عن المسجد أكثر من واحد وعشرين كيلو مما يدل على أن القرب من الحرم لا يلزم منه القرب من عين المسجد الذي هو مكان للطواف.
٢ - قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" (الحج:٢٥).
والمقصود بالمسجد الحرام هنا الحرم كله ونوقش هذا الاستدلال بأن المراد بالمسجد الحرام في هذه الآية هو المسجد حول الكعبة وهو ظاهر القرآن وقال به النووي (تهذيب الأسماء واللغات ٩/ ٢٥٠)، وابن القيم (أحكام أهل الذمة ١/ ١٨٩)، وثبت أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_- كما سيأتي - أنه كان يصلي في الحرم فعلم من ذلك أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لم يكن صد عن الحرم.
٣ - أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ - عندما كان في صلح الحديبية - (أخرجه أحمد مطولاً ٤/ ٣٢٣) كان يصلي في الحرم مع أن إقامته في الحديبية بالحل وذكر الشافعي أن الحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم. (الأم ٢/ ٣٤١).
وهذا من أصرح الأدلة على أن مضاعفة الصلاة تتعلق بجميع الحرم وليس مسجد الجماعة فقط قال ابن القيم رحمه الله: "وفي هذا دلالة على أن مضاعفة الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم لا يخص بها المسجد الذي هو مكان الطواف. (زاد المعاد ٣/ ٣٠٣).
ونوقش هذا الاستدلال بأن غاية ما يدل عليه الحديث فضيلة الصلاة في الحرم مقارنة بالحل وهذا لا شك فيه قال الرحيباني وهذا لا يستريب به عاقل". (مطالب أولي النهى ٢/ ٣٨٤). وأما المضاعفة فهي خاصة بالمسجد.
وأجيب بأن أفضلية الصلاة في الحرم إنما كانت بالمضاعفة المتعلقة بجميع الحرم وإلا لما كان للحرم مزية في الصلاة فيه عن باقي الأماكن.
وورد عن ابن عباس _رضي الله عنه_ما قوله: الحرم كله هو المسجد الحرام. (أخرجه الفاكهي ٢/ ١٠٦ وفيه مقال).
كما ورد ذلك عن عطاء (مصنف عبد الرزاق ٥/ ١٥١، وابن أبي شيبة ١/ ٤/٣٩٢)، ومجاهد (مصنف عبد الرزاق ٤/ ٣٤٥، وابن أبي شيبة ١/ ٤/٣٩٢)، وقتادة (تفسير الطبري ٣/ ٣٥٩).
مضاعفة أعمال البر الأخرى في الحرم:
اختلف العلماء هل التضعيف خاص بالصلاة أم يشمل جميع الأعمال الصالحة كالصوم والصدقة والتسبيح على قولين:
القول الأول: أن الأعمال الصالحة لا تضاعف في الحرم كالصلاة واستدلوا بأن الأدلة الثابتة في التضعيف مختصة بالصلاة فقط والقول بمضاعفة الطاعات الأخرى يحتاج إلى دليل ثابت وهذا هو قول الجمهور.
القول الثاني: أن الأعمال الصالحة تضاعف كالصلاة وقال به الحسن البصري فذكر أن من صام في الحرم كتب له صوم مئة ألف يوم ومن تصدق فيها بدرهم كتب له مئة ألف درهم صدقة. (أخبار مكة للفاكهي ٢/ ٢٩٢).
واستدل أصحاب هذا القول بما رواه ابن ماجه عن ابن عباس _رضي الله عنه_ما قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من أدرك رمضان بمكة فصام وقام منه ما تيسر له كتب الله له مئة ألف شهر رمضان فيما سواه ... " (أخرجه ابن ماجه ٣١١٧ وفي إسناده عبد الرحيم بن زيد العمي، متروك الحديث).
قال الألباني في (الضعيفة ٢/ ٢٣٢): "الحديث موضوع".
ونوقش الاستدلال بأن الحديث لا يثبت.
واستدلوا ببعض الأحاديث والآثار ولكن كلها لا ترقى لدرجة الاحتجاج.
وخلاصة الكلام أنه لم يثبت دليل ينص على مضاعفات الطاعات في المسجد الحرام كمضاعفة الصلاة أي بمئة ألف.
ولكن تبقى الأعمال الصالحة في الحرم لها تعظيم ومزية عن غيرها وذلك لفضيلة الحرم على الحل. (انظر الفروع ١/ ٦٠٠).
وقال ابن باز _رحمه الله_: وبقية الأعمال الصالحة تضاعف - أي في الحرم - ولكن لم يرد فيها حد محدود، إنما جاء الحد والبيان في الصلاة، أما بقية الأعمال الصالحة كالصوم والأذكار وقراءة القرآن والصدقات فلا أعلم. فيها نصاً ثابتاً يدل على تضعيف محدد. (مجموع فتاوى ومقالات ١٧/ ١٩٨).
وفي الختام نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: موقع المسلم