اختلف العلماء في المراد بالمسجد الحرام التي تضاعف فيه الصلاة، على أقوال:
القول الأول: أن المسجد الحرام يراد به الكعبة:
واستدلوا بقوله تعالى: " فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" (البقرة: من الآية١٤٤) والمقصود أن الاستقبال في هذه الآية للكعبة فقط وأجيب بأن إطلاق لفظ المسجد الحرام هنا من باب التغليب.
واستدلوا بقوله _صلى الله عليه وسلم_: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا الكعبة" (أخرجه أحمد ٢/ ٣٨٦، وأخرجه ابن أبي شيبة ٢/ ٣٧١).
وأجيب بأن المقصود هنا مسجد الكعبة بدلالة حديث ميمونة _رضي الله عنه_اقال: سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: "الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة" (أخرجه مسلم ١/ ١٠١٤).
واختار هذا القول بعض المتأخرين من الشافعية. (أعلام الساجد ص ١٢١).
القول الثاني: أن المسجد الحرام يراد به المسجد حول الكعبة وهو قول الحنابلة (الفروع ١/ ٦٠٠) ورجحه بعض الشافعية (المجموع ٣/ ١٩٠)، واختاره من المتأخرين ابن عثيمين _رحمه الله_ (الفتاوى المكية ص ٣٧).
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
١ - قوله تعالى: "وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" (البقرة: من الآية١٩١).
وقوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا" (التوبة: من الآية٢٨).
وقالوا إن المقصود في هاتين الآيتين مسجد الجماعة الذي حول الكعبة.
٢ - قوله _سبحانه وتعالى_: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى" (الإسراء: من الآية١).
والنبي _صلى الله عليه وسلم_ أسري به من الحجر عند البيت وقيل أسري به من بيت أم هاني وهو خارج المسجد ولذلك استدل به من يرى أن المضاعفة تشمل جميع الحرم.
ومسألة من أين أسري بالرسول _صلى الله عليه وسلم_ مسألة خلافية.
ولكن الثابت في البخاري عن أنس بن مالك بن صعصعة _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ حدثهم عن ليلة أسري به قال: "بينما أنا في الحطيم وربما قال: في الحجر .. الحديث" (أخرجه البخاري ٧/ ٢٠١).
٣ - ما رواه مسلم عن ميمونة _رضي الله عنه_اقالت: "من صلى في مسجد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فإني سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة" (سبق تخريجه).
ومفهوم الحديث أن المضاعفة مختص بمسجد الكعبة.
٤ - أن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد كما جاء في حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى" (أخرجه البخاري ٣/ ٦٣، ومسلم ١/ ١٠١٤).
ومعلوم أننا لو شددنا الرحال إلى مسجد من مساجد مكة غير المسجد الحرام لم يكن هذا مشروعاً بل كان منهياً عنه فما يشد الرحل إليه هو الذي فيه المضاعفة. (انظر الفتاوى المكية لابن عثيمين ص ٣١).
٥ - ما تقرر من أن الجنب لا يجوز له اللبث في المسجد الحرام كبقية المساجد ومع ذلك يجوز له اللبث في بقية الحرم مما يدل على أن المقصود بالمسجد الحرام مسجد الجماعة لا كل الحرم.
القول الثالث: أن المسجد الحرام يطلق على الحرم كله وهو قول الأحناف (بدائع الصنائع ٢/ ٣٠١)، والمالكية (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٣/ ١٢٧٥)، والشافعية (مغني المحتاج ٦/ ٦٧)، ورجحه ابن تيمية (الفتاوى ٢٢/ ٢٠٧)، وابن القيم (زاد المعاد ٣/ ٣٠٣)، وابن باز (مجموع فتاوى ومقالات ١٧/ ١٩٨).
واستدلوا بأدلة منها: