ونأمل من مجمع الفقه الإسلامي الذي رأسه الشيخ بكر قرابة خمسة وعشرين عاماً، والذي تبنّى طباعة تلك المشروعات العلمية التي أشرنا إليها؛ لأنها من ضمن الأهداف التي قام من أجلها المجَمْع، وكذلك نأمل من مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية التي قامت - مشكورة - بتمويل تلك المشروعات، نأمل منهما أن يقدّما لأهل العلم وللشيخ بكر - رحمه الله - بعد وفاته خدمة وشكراً عمليين مقابل جهوده في المَجْمَع والمؤسسة؛ يمدّ في أجره، ويسهّل على الباحثين والمحبين والراغبين في مطالعة إرث الشيخ العلمي؛ فيقوموا - فضلاً لا أمراً - بتبنّي مشروع (مؤلفات وآثار العلَّامة بكر أبو زيد) لتكون ضمن هذه السلسلة، وذلك لما تحمله مؤلفاته من فائدة وعلم وأصالة شهد له بها أهل العلم، والقبول والانتشار الواسع لها.
من المعالم البارزة في شخصية الشيخ: صبره وجَلَده على تلقِّي العلم وتحصيله:
إن الجمع - في تحصيل العلم - بين الدراسة النظامية في الكليات الشرعية وبين ملازمة المشايخ في حِلَق العلم في دروسهم وفي المساجد، قلّ من يستطيعه، وقد كان الشيخ بكر - رحمه الله - ممن أخذ في هذا الباب وضرب فيه بحظ وافر؛ إذ عُرف واشتُهر عنه ملازمته لشيخه محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان، فلم ينقطع عنه ولم يتخلف عن دروسه. يقول عنه د. عبد الرحمن السديس في كتابه (ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان)(ص٢١٥) معدّداً تلاميذ الشيخ: (الشيخ بكر أبو زيد: صاحب التصانيف الكثيرة، الباحث المحقق، لازم الشيخ - رحمه الله - عشر سنين، ودرس عليه بعض مذكراته في الأصول وآداب البحث والمناظرة دروساً خاصة في المسجد وفي منزله - رحمه الله - ودرس عليه كتابَيّ ابن عبد البر (القصد والأمم في معرفة أنساب العرب والعجم وأول من تكلم بالعربية من الأمم) و (الإنباه على قبائل الرواة) وقيّد عليهما بعض التحريرات من دروس الشيخ والنكات والضوابط العلمية)
ويقول الشيخ السديس أيضاً: حدثني عبد الله ابن الشيخ محمد الشنقيطي - رحمه الله - أن أباه قال للشيخ بكر:(ما أخذ عني علم الأنساب في هذه البلاد غيرك).
وحدثني - القائل د. السديس - الشيخ الدكتور محمد الحبيب، قال:(لقد شاهدت الشيخ بكر أبو زيد يحضر حلقة الشيخ في التفسير في رمضان لم يتخلف يوماً واحداً) ا. هـ.
من المعالم البارزة في شخصية الشيخ: المعايشة والتفاعل مع الأحداث والواقع:
كان الشيخ بكر ابن عصره ورجل واقعه، ومراقب أحداثه، فلم يكن بعيداً ولا منعزلاً عن تلك الأحداث والنوازل التي تُطل برأسها حيناً بعد آخر؛ فكانت له مشاركات متنوعة ووقفات راشدة وسَبْر وتحليل لِما يمرّ بالمجتمع، مع ما عرف عنه من عزلة وعدم رغبة في كثرة مخالطة الناس؛ لا ترفعاً ولا تعالياً حاشاه، لكنه اختار طريقاً رآه أنفع؛ يجد نفسه فيه وينفع من خلاله، وقد حصل له ما أراد، بل كانت عنده قناعات شخصية تُحترم وجهة نظره فيها، ومن ذلك أنه عُرض عليه المشاركة في البرامج التي تُقدَّم في إذاعة القرآن الكريم، وفي برنامج (نور على الدرب) حيث عرض عليه الشيخ ابن باز - رحمه الله - المشاركة، ثم عرضها عليه الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وكان الشيخ يعتذر عن المشاركة، بل حتى في مرضه لم يكن يحب أن يتوافد الناس عليه وتكثر الجموع عنده في بيته أو في المستشفى؛ كل ذلك فراراً من الشهرة والأضواء، بل قيل عنه:(إنه كان عدو الشهرة) يرفضها ويدفعها ويهرب منها.