للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَوْداً على ما ذكرنا من أن الشيخ كان يعيش عصره وواقعه رغم انشغاله بأعماله العلمية الرسمية والشخصية وبالعلم، والتأليف، والتحقيق، والقراءة، رغم ذلك لم يكن غائباً؛ لا تحرّك فيه النوازل والأحداث التي تمر ببلده أو بالمسلمين شيئاً؛ بل كان كثير من مؤلفاته انعكاساً وأثراً لحدث أو مناسبة أو ظاهرة تحتاج منه وقفة وكلمة. فعلى (١) سبيل المثال لمَّا قامت الحملة الجائرة على طلبة العلم والدعاة؛ تصنيفاً وتجريحاً وتبديعاً وتفسيقاً، تصدّى لها بكتابه (تصنيف الناس بين الظن واليقين) ولما رفع دعاة تحرير المرأة عقيرتهم وأجلبوا بخيلهم ورجلهم في كلام على المرأة ووضعها في بلاد الحرمين، قام الشيخ قومة الشجاع النِّحْرير صادعاً بالحق ورادّاً على أهل الباطل بمؤلَّفه القيِّم (حراسة الفضيلة) حتى أُطلق على الشيخ في حياته وفيما كُتب عنه بعد مماته - نثراً وشعراً - (حارس الفضيلة) وما ذاك إلا لِما تركه كتابه من أثر نفع الله به نفعاً كبيراً. ولمَّا كَثُر التجنّي على بلاد الحرمين وضرب التغريب أطنابه ورُميت عن قوس واحدة، وأصبحت العولمة - أو كما أطلق عليها الشيخ في بعض كتبه: الشوملة والكوكبة - على الأبواب، قام الشيخ في الأمة بمؤلَّفه الرائع (خصائص جزيرة العرب) ذاكراً الضمانات الهامة لحفظ هذه الجزيرة من الأخطار المتنوعة.

ولمَّا رأى الخلط والتلبيس في الشرائع والدعاوى الجائرة على عقيدة التوحيد، وشريعة الإسلام وتكلم المنهزمون ودعاة التقريب بين الأديان، وقف سداً منيعاً جاهراً بما يدين الله به مما هو الحق وسواه باطل، وأبطل تلك النظرية بصاعقته المرسلة وشهابه الثاقب كتاب "الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان "

ولمَّا رأى - وذلك في بدايات بروزه في مجال التأليف - التخبّط والعِثار الذي أصاب بعض طلبة العلم وعدم وضوح الرؤية أو المنهج العلمي، ألَّف رسالته (حلية طالب العلم) موجّهاً ومربّياً وناصحاً ومرشداً.

ولمّا رأى الانبهار بالألقاب العلمية التغريبية والركض خلف تلك المسميات، أخرج رسالته (تغريب الألقاب العلمية)

ولمّا خشي على الألسنة من المحرَّم والمكروه، ورأى أن هذه الجارحة الخطيرة دبّ إليها المحرَّم وفاهت بالمكروه واستمرأت التساهل، وظهرت الأسماء والمصطلحات غير اللائقة، أخرج واحداً من أجمل وأبرز مؤلّفاته وهو (معجم المناهي اللفظية)

وأما في مجال التخصّص الفقهي - وهو مجال الشيخ الرّحب - فقد كان مؤسِّساً ومؤصِّلاً ومشاركاً في نوازل الأمة بكتابه (فقه النوازل) الذي دَرَس فيه عدداً من المسائل النازلة.

وفي واحد من المجالات الخطيرة والهامة التي تحتاج شجاعة وعلماً وفقهاً وطول تتبع واحتساباً وأمانة علمية، كان سداً منيعاً في وجه المحرِّفين والعابثين والمعتدين على كتب التراث.

فجُمعت جهوده في هذا الباب في مؤلَّف كبير حوى عدداً من الكتب سمَّاه (الردود) والواقف عليه يرى فيه دقة وشمولية وطول نَفَس وغَيرة.

وخاتمة المقال ومِسْكه: أن المؤلَّف الذي يصح أن يقال عنه (كل الصيد في جوف الفَرَا) (٢) من بين مؤلّفات الشيخ في تقديري، والذي أوضح جوانب متنوعة في شخصيته وأفرز خبرته وعلمه وعقليته وطول باعه وسعة اطلاعه وتَمكُّنه من المذهب الحنبلي هو كتابه: (المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد) ومتمِّمُه كتاب (علماء الحنابلة من الإمام أحمد المتوفى سنة ٢٤١ وحتى وفيات عام ١٤٢٠ هـ).

ختاماً:


(١) هذه الفكرة، والعرض استفدتهما من د. وليد الرشودي - جزاه الله خيراً - في حديثه عن الشيخ بكر - رحمه الله - في يوم وفاته عندما عرضت عنه حلقة خاصة في قناة المجد في برنامج خبر وتعليق.
(٢) الفَرَا: حمار الوحش.

<<  <  ج: ص:  >  >>