١٣ - أكثر الكاتب مرارًا أنَّ مذهب السلَف قاطبة هو نفي الجسم عن الله، ثم ينقل عبارات من هو معدود من السلف في باب الصفات، ومن عنده اضطراب ظاهر ويجعلها في سياق واحد، وهذا تلبيس؛ إذ إن المُراد من نفي الجسم من السلف نفي التشبيه، بينما مرادُ من نفى الجسم من غيرهم هو نفي الصفات، وهذا ظاهر في سياق النصوص التي نقلها.
١٤ - ينقل النصوص الحاكية لإجماع السلَف، ثم يتصرَّف في بيان المراد بهذا الإجماع؛ ليُدَلِّل على ما ذهب إليه، مثل نقله حكاية الإجماع على أن تفويض المعنى هو مذهب السلف.
١٥ - ينافح الكاتب كثيرًا عن المؤوِّلة ومذْهب التأويل، ويرى بأنه منهج لا ينبغي ذمُّه؛ لأنَّ له ما يؤيده من مجازات اللُّغة.
١٦ - عقَد الكاتبُ الفصل الثالث من كتابه لبيان أقوال أهل العلم في تقرير مذهب السلف، ثم ساق ١١١ قولاً لِمَن هو معدود من السلف في باب الصفات، ولمن عرف عنه الاضطراب في هذا الباب، بل وفي غيره من أبواب الاعتقاد، وجعل ذلك كله دليلاً على أنَّ مذهب السلف هو تفويض المعنى، والنصوص التي ساقها عن السلف المعتبرين في ذلك لا تساعده، عند التحقيق والنظر.
١٧ - وجَّه الكاتبُ مقالة الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - والتي تهدم مذهبي تفويض المعنى والتأويل توجيهًا لا يساعده فيه سياق ولا لغة، فقال إنَّ المراد بقوله: "غير مجهول": يعني: وروده في الشرْع.
١٨ - عدم التفْريق بين تفويض الكيفية، وتفويض العِلْم بالكيفيَّة، وبناء على هذا نفي الكَيْف عن صفات الله - عز وجل - وساقَ من نصوص بعض العلماء ما يزعم أنَّ المراد به نفي الكيفية عن صفات الله، لا نفي العلْم بالكيفية، وهذا مِن أبطل الاستدلالات، وأبلغ الشناعات.
١٩ - بالغ الكاتبُ في التشنيع على مَن أثبت العلوَّ الحقيقي لله، وأبدل لفظ الحقيقي بالحسي؛ مبالَغة في التشنيع، ثم استدل على نفْيه عن الله بألفاظ مجمَلة، تحتمل معانٍ حقَّة وباطلة؛ كلفظ الحد والجِهة، وخص بالتشنيع في هذا المقام شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - وتوجيهه لكلام الإمام أحمد - رحمه الله - في إثبات لفْظ الحد، وفي ثنايا هذا التشنيع تشم رائحة التحامل والحط من قدْر شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - والقائلون بنفي العلو الحقيقي عن الله - سبحانه - يقفون حائرين عاجزين عن الإجابة تجاه ثلاثة أمور:
أولها: الفطرة الخلقيَّة والضرورة الحسية التي يجدها كل إنسان في الاتجاه للعلو حال الشدة للمكروبين، وحال الرخاء للصالحين؛ إذ إنَّه أمرٌ عجزَ عن الإجابة عنْه أساطين المتكلمين وفحولهم، وهذه فطرة لا يُمكن لأحدٍ إنكارها.
ثانيها: قوله - تعالى -: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠]، فهذا السياق القرآني لا يسعف المؤولة فيه أي أسلوب من أساليب العرَب لصَرْفه عن العلو الحقيقي.
ثالثها: العُروج بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلا يمكن القولُ فيه بغير العلو الحقيقيِّ، وإلاَّ كان مكابرةً للعقول السليمة الخالية من داء الهوى والمكابرة، فلا يقول أحدٌ هنا: إنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صعد إلى السماء حتى بلغ سِدرةَ المنتهى، ثم ما شاء الله مِن العُلى - إنَّ المراد: علو المُلْك والسلطان، فمُلك الله وسُلْطانه في كلِّ مكان، وليس فيما عرج إليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقط.
٢٠ - جَاهَد الكاتب في التمويه بأنَّ نفيَ العلوِّ الحقيقي لا يستلزم نفيَ العُلوِّ المطلق، لكنَّه اعترف بعد ذلك أنَّ العلو المطلق عنده هو علوُّ الملك والسلطان، وهذا مِن غاية التلبيس والتدليس، وهل أنكر أحدٌ من الخلق ذلك العلوَّ؟!