٢١ - ما ذَكَره الكاتبُ في الفصل الذي عقدَه عن المراد بالتجسيم تهويلٌ، حَرَص من خلاله على بيانِ أنَّ إثبات شيءٍ من الصفات التي يزعم أنَّ ظاهرها يُفيدُ التشبيهَ هو نفسه التجسيم الذي ذمَّه العلماء، وحكموا على قائلِه بالكفر، وفي هذا من التلبيس والتمويه والمخادعة ما لا يَخْفَى، وما حكاه مِن كلام بعض العلماء في هذا الفصل يَنقضُه ما لَم ينقلْه عنهم ممَّا هو مسطَّر في كُتبهم، كنقلِه عن الإمام أحمد.
٢٢ - يسوق الكاتبُ كلامَ ابن الجوزي - رحمه الله - في كتابه "دفع شبه التشبيه"؛ للتشنيع على مَن يُثبت الصفات على ظاهرها، وهو يعلم أنَّ ابن الجوزي - رحمه الله - مضطربٌ مذهبُه في الصِّفات، لكنَّه على سبيل التنفير من القول بتفويضِ العِلم بالكيفية يأتي بمثل هذه النقولات التي يعرف أدْنَى مَن له اطِّلاع على أقوال الأئمَّة المعتبرين في باب الصفات بُطلانَها.
٢٣ - أجاب الكاتب عن الاعتراض الوارد على القوْل بتفويض المعنى "بأنَّه حينئذٍ نكون قد تعبَّدْنا بفَهْم ما لم نعلمْ معناه" - بجوابٍ لا يقبله عقل ولا نقل، فذَكَر أنَّ قولنا هو: أنَّ لنصوص الصفات معانيَ لا يعلمها إلاَّ الله، وهل في هذا جوابٌ عن ذلك الاعتراض؟!
٢٤ - أثبتَ الكاتب أمرًا لم أرَ مَن سبقه إليه، حيث جعل لنصوص الصفات معنيَيْن، أحدهما: قطعي، وهو: المعنى العام، وآخر ظَني، وهو: المعنى الخاص، ثم مثَّل لذلك بصفتَي اليد والأصابع، وجاء فيهما بكلام حاصلُه التشنيعُ على مَن أثبت هاتين الصفتَينِ على ظاهرهما.
٢٥ - يَنقُل عن ابن قُدامه -رحمه الله- القولَ بأنَّه لا حاجةَ لنا إلى عِلم معنى ما أراد الله - تعالى - مِن صفاته، ثم يحمل هذا الكلامَ على أنَّ المراد المعنى لا الحقيقة، وهذا من التلبيس، ولا يقوله مَن تأمَّل كلامَ ابن قدامه - رحمه الله - بتمامه.
٢٦ - أراد الكاتبُ الجوابَ عن القوْل بأنَّ تفويض المعنى فيه تجهيلٌ للسلف، بإيرادِ بعض النصوص عن العُلماء التي تحثُّ على وجوب الإيمان بصِفات الله، وأنَّ ذلك هو المأمور به، وما سوى ذلك فهو تَكلُّف، ومِثلُ هذا لا يدفع عن ذلك المذهبِ الشنيع هذه الشُّبهة.
٢٧ - جاهَدَ الكاتب في إثبات أنَّ القائلين بتفويض العِلم بالكيفية قالوا بالتأويل في بعضِ الصِّفات، وساق مثالَيْن على ذلك، هما نصوص صفة المعيَّة، وصفة الوجه، وساق لتقرير ذلك كلامَ الرازي - رحمه الله - ويَكفي للدلالة على التلبيس التعليقاتُ التي ساقَها على كلام الرازي في هذا الموضع؛ فإنَّه يريد أن يجعل كلامَ الرازي فقط موجَّهًا للقائلين بتفويض العِلم بالكيفية، لا تفويض المعنى.
٢٨ - عَقَد الكاتب فصلاً مستقلاًّ عن سبب تأويل الخَلَف، والذي يظهر لي - والله أعلم - أنَّ هذا الفصل مِن أعظم مقاصد تأليف الكتاب؛ لأنَّ فيه دفاعًا عن القائلين بالتأويل من الأشاعرة والماتريديَّة على وجه الخصوص، وأنَّ مَن شنَّع عليهم في تأويلهم، فإنَّما هو لعدم معرفته بأمرين:
أ- عدم معرفته بلُغة العرب.
ب- عدم معرفته بمذهب الأشاعرة والماتريديَّة الذين ذَهبوا إلى التأويل، إذ هُم نَقلةُ اللِّسان العربي، ودليل ذلك مؤلَّفاتُهم في اللغة.
ولا يَخفى ما في هذا الكلام من تضليل وتلبيس؛ لأنَّ الاعتذار عنهم بالأمر الأول: فيه تنقُّص لِمَن تَرَك التأويل من سَلَف الأمَّة، وأنهم على عدم معرفة بلُغة العرب.
وأمَّا الثاني: فمما لا يُنكِرُه أحدٌ أنَّ من أئمَّة المعتزلة مَن يتفوَّق في تصنيفاته اللُّغويَّة على بعض المصنِّفين من الأشاعرة، فبراعة الزمخشري والقاضي عبد الجبار المعتزلي في اللُّغة لا تكون سببًا لقَبول ما ذهبوا إليه في تأويل النصوص.