للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن له معرفة بالنظام الإسلامي، لن يجد معاناة في تحديد حقيقة السيادة العليا في النظام الإسلامي كلِّه بما فيه النظام السياسي، فما هي إلا تلك التي يعبّر عنها العلماء والمفكرون المسلمون المعاصرون بتعبيرات من مثل:

مبدأ المشروعية العليا، والحاكمية، والشرعية العليا، والحكم بما أنزل الله؛ ونحوها من التعبيرات المألوفة لدى الشرعيين والمتخصصين، بل ولدى عموم المسلمين.

٤ - ومن هنا فلا غرابة في اتفاق العلماء والباحثين المعاصرين - ولا سيما من لهم عناية بالسياسة الشرعية - على أنَّ السيادة العليا في الإسلام للشريعة ممثلة في نصوص القرآن والسنة؛ لأنَّ هذه الحقيقة مما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة؛ فلا سيادة تعلو سيادة الكتاب والسنة وهيمنتهما على غيرهما من الكتب والشرائع السابقة {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: ٤٨] فضلاً عن آراء عموم الناس وأقوالهم ونظرياتهم البشرية.

والحقيقة أنَّك عندما تضطر لتوضيح الواضحات، ستجد معاناة تشبه معاناتك عندما تحاول إثبات أنّ الشمس هي الشمس لمن لا يمكنه التعرف عليها! وهكذا الشأن عندما يتحدث المسلم عن قضية قطعية؛ ولذلك فمن المنهج العلمي العملي معرفة موقع الحقيقة المتفق عليها من عقيدة أهل الإسلام، وليس بالضرورة تعداد أدلتها النصية وغيرها لكثرتها (١)، ولكون الاشتغال بها قد يوحي بأنَّ في المسألة خلافا مع أنَّه لا خلاف فيها.

وهنا أكتفي بعبارات كافية شافية - لمريد الحق دون مكابرة - في تأكيد حقيقة أنَّ سيادة الشريعة من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة؛ بعضها للمتقدمين، وبعضها للمعاصرين.

فمن عبارات المتقدمين الممزوجة بالاستدلال: قول أبي العباس ابن تيمية -رحمه الله- منبها إلى دليل الإجماع هنا في أقوى صوره: " قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنَّ رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لجميع النّاس: عربهم وعجمهم، ملوكهم وزهادهم، وعلمائهم وعامتهم؛ بل عامّة إلى الثقلين الجنّ والإنس. وأنها باقية دائمة إلى يوم القيامة، وأنَّه ليس لأحدٍ من الخلائق الخروج عن متابعته وطاعته وملازمة ما يشرعه لأمته من الدين، وما سنّه لهم من فعل المأمورات وترك المحظورات؛ بل لو كان الأنبياء المتقدمون قبله أحياء لوجب عليهم متابعته وطاعته .. بل ثبت أنَّ المسيح عيسى ابن مريم إذا نزل من السماء يكون متبعا لشريعة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ... فكيف بمن دونهم، بل مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام: أنَّه لا يجوز لمن بلغته دعوته أن يتبع شريعة رسول غيره كموسى وعيسى؛ فإذا لم يجز الخروج عن شريعته إلى شريعة غيره، فكيف بالخروج عنه وعن الرسل؟! " (٢).

ومنها قول ابن القيم رحمه الله: " والصحيح أنَّ الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم؛ فإنَّه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصيانا مع اعترافه بأنَّه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر.

وإن اعتقد أنَّه غير واجب، وأنَّه مخيّر فيه مع تيقنه أنَّه حكم الله، فهذا كفر أكبر. وإن جهله وأخطأه، فهذا مخطئ، له حكم المخطئين " (٣).


(١) ويمكن أن يراجع فيها - إضافة إلى كتب العقيدة والتفسير والأصول والرسائل والفتاوى لكبار علماء الأمة ومفكريها المؤصلين من السابقين والمعاصرين- بعض الأطروحات العلمية المتخصصة، ومن أجمعها: الحكم والتحاكم في خطاب الوحي،، للشيخ عبد العزيز مصطفى كامل، وهو يقع في مجلدين، من مطبوعات دار طيبة عام ١٤١٥.
(٢) مجموع الفتاوى:١١/ ٤٢٤.
(٣) مدارج السالكين:١/ ٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>