للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن أبي العز الحنفي: " ... إن اعتقد أنّ الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنَّه مخير فيه، أو استهان به بعد تيقنه أنَّه حكم الله، فهذا كفر أكبر " (١).

ولاحظ التصريح بنفي التخيير في العبارات السابقة.

ومن عبارات المعاصرين الممزوجة بالاستدلال: قول الشيخ محمد شلتوت رحمه الله: "العقيدة في الوضع الإسلامي هي الأصل الذي تبنى عليه الشريعة، والشريعة أثر تستتبعه العقيدة، ومن ثم فلا وجود للشريعة في الإسلام إلا بوجود العقيدة، كما لا ازدهار للشريعة إلا في ظل العقيدة؛ ذلك أن الشريعة بدون العقيدة عُلُوٌ ليس له أساس، فهي لا تستند إلى تلك القوة المعنوية، والتي توحي باحترام الشريعة، ومراعاة قوانينها، والعمل بموجبها دون حاجة إلى معونة أي قوة من خارج النفس.

وإذاً فالإسلام يحتم تعانق الشريعة والعقيدة، بحيث لا تنفرد إحداهما عن الأخرى، على أن تكون العقيدة أصلا يدفع إلى الشريعة، والشريعة تلبية لانفعال القلب بالعقيدة، وقد كان هذا التعلق طريق النجاة والفوز بما أعد الله للمؤمنين.

وعليه فمن آمن بالعقيدة، وألغى الشريعة، أو أخذ بالشريعة وأهدر العقيدة، لا يكون مسلماً عند الله، ولا سالكا في حكم الإسلام سبيل النجاة " (٢).

ومن العبارات الأكثر دقة في وصف الواقع بحكم المعاصرة، قول الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله: "هناك أشياء أطلق عليها علماء أمتنا الكبار اسم (المعلوم من الدين بالضرورة)، ويقصدون بها الأمور التي يستوي في العلم بها الخاص والعام، ولا تحتاج إلى نظر واستدلال عليها، لشيوع المعرفة بها بين أجيال الأمة وثبوتها بالتواتر واليقين التاريخي.

وهذه الأشياء تمثل الركائز أو (الثوابت) التي تجسّد إجماع الأمَّة، ووحدتها الفكرية والشعورية والعلمية.

ولهذا لا تخضع للنقاش والحوار أساساً بين المسلمين، إلا إذا راجعوا أصل الإسلام ذاته!

وأعتقد أنَّ من هذه الأمور: أنَّ الله تعالى لم ينزل أحكامه في كتابه، وعلى لسان رسوله، للتبرك بها، أو لقراءتها على الموتى! أو لتعليقها لافتات تزيّن بها الجدران؛ وإنَّما أنزلها لتُتَّبع وتنفّذ، وتحكم علاقات الناس، وتضبط مسيرة الحياة وفق أمر الله ونهيه، وحكمه وشرعه.

وكان يكفي هذا القدر عند من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً، وبالقرآن منهاجا؛ لأن يقول أمام حكم الله ورسوله: سمعنا وأطعنا، دون حاجة إلى بحث عن دليل جزئي من النصوص المحكمة والقواعد الثابتة " (٣)؛ ثم سرد جملة من الأدلة التي جعلت لزومية الحكم بما أنزل من الأحكام المعلومة بالضرورة من دين الإسلام تحت عنوان تالٍ: " كثرة الأدلة على فرضية الحكم بما أنزل الله".

والعجيب أن من يتأمّل أصول أدلة هذا الأصل العظيم يجدها مشبَّعة بمعاني اللزومية! فمن يتدبر قول الله عز وجل: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٤٩، ٥٠]-على سبيل المثال- يجد ذلك فيه ظاهراً؛ فمن يتدبر هذه الآية كما يقول شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله: " يتبين له أن الأمر بالتحاكم إلى ما أنزل الله أُكِّد بمؤكدات ثمانية:


(١) شرح العقيدة الطحاوي، لابن أبي العز الحنفي، تحقيق الشيخ أحمد شاكر ص:٣٠٤ ط ١٤١٨.
(٢) الإسلام عقيد وشريعة:١١.
(٣) من فقه الدولة في الإسلام: ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>