للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادساً: لم يثبت في مشروعية دعاء الختم في آخر رمضان شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، وأفضل العبادات - كما يقول ابن تيمية - ما وافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه (١). وليس مع من استحبه دليل يذكر سوى أنه من عمل أهل المصرين: مكة، والبصرة، والسنة لا تثبت بمثل ذلك، لا سيما أنه منقطع عن عصر الصحابة رضي الله عنهم، وتوارث العمل إنما يكون في موطن الحجة حيث يتصل بعصر التشريع، فإن لم يكن كذلك فلا. ورحم الله الإمام مالكاً وهو عالم المدينة في زمانه حيث قال: (ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن، وما هو من عمل الناس) (٢). وقد اشتهرت هذه المسألة عند الحنابلة في روايات عن الإمام أحمد ذكرتها كتب المذهب، وقد جاء في رواية حنبل قال: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن إذا فرغت من قراءة (قل أعوذ برب الناس) فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه.

وهذا دليل على أنه لو كان عند الإمام أحمد رحمه الله سنة ماضية مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو متصلة إلى بعض الصحابة رضي الله عنهم لاعتمدها في الدلالة، وهو رحمه الله من أرباب الإحاطة في الرواية (٣).

ويعجبني في هذا المقام كلمة قيّمة لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول: (وليس لأحد أن يحتج بقول احد في مسائل النزاع وإنما الحجة النص والإجماع ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة لشرعية لا بأقوال بعض العلماء فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية لا يحتج بها على الأدلة الشرعية ومن تربى على مذهب قد تعوده واعتقد ما فيه وهو يحسن الأدلة الشرعية وتنازع العلماء لا يفرق بين ما جاء عن الرسول وتلقته الأمة بالقبول يجب الإيمان به وبين ما قاله بعض العلماء ويتعسر أو يتعذر إقامة الحجة عليه ومن كان لا يفرق بين هذا وهذا لم يحسن أن يتكلم في العلم بكلام العلماء وإنما هو من المقلدة الناقلين لأقوال غيرهم مثل المحدث عن غيره والشاهد على غيره لا يكون حاكما والناقل المجرد يكون حاكيا لا مفتيا) (٤).

ثم إنه قد تقرر في قواعد الأصوليين في التروك النبوية: أن ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم من الأفعال يكون تركه حجة إذا وجد السبب المقتضي لهذا الفعل وانتفى المانع، وهذا أصل عظيم، وقاعدة جلية به تحفظ أحكام الشريعة، ويوصد به باب الابتداع في الدين (٥). وقد ترتب على هذه الختمة أمور:-

١ - الإطالة على المأمومين بدعاء متكلف مسجوع غير مأثور، يشغل نحو ساعة من الزمن، يُقرأ بصوت التلاوة وأدائها.

٢ - البكاء والنشيج وإسبال العبرات، مع أن قوارع التنزيل وآيات الذكر الحكيم تتلى في ليالي الشهر، بل على ممر العام، ولا تكاد تسمع ناشجاً، ولا نابساً ببكاء من مأموم وإمام، والله تعالى يقول (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ... ) (٦).

٣ - عناية الناس بهذه الختمة والاهتمام بها إلى حد تتبّع المساجد لطلبها، ولا سيما النساء حتى إن منهن من تسأل عن حكم تأخير دورتها الشهرية عن موعدها حرصاً على حضور الختمة وعدم فواتها. فالله المستعان.


(١) الفتاوى (٢٤/ ٣٢١ - ٣٢٣)
(٢) المعيار المعرب (١١/ ١١٤) المدخل لابن الحاج (٢/ ٢٩٩)
(٣) مرويات دعاء ختم القرآن لبكر أبو زيد ص ٦٦.
(٤) مجموع الفتاوى (٢٦/ ٢٠٢ - ٢٠٣)
(٥) معالم أصول الفقه ص (١٢٩)
(٦) مرويات دعاء ختم القرآن ص (٦٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>