للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا كان بين محلتين عداوة فدخل رجل من إحداهما للأخرى ثم وجد مقتولًا فيها عن قريب من زمان دخوله فعين أولياؤه رجلًا أو رجلين وادعوا عليهم القتل وحلفوا خمسين يمينًا أنّهما قتلاه فقضى القاضي لهم بالقتل) هذا مذهب مالك وهو قول الشافعي رحمه الله في القديم (فإذا رفع ذلك إلى قاضي آخر ينبغي له أن يبطله) لأنّه خلاف إجماع الصحابة فإنّ الكل أجمعوا على خلافه إنما أول من قتل بالقسامة على الوجه الذي قلنا معاوية - رضي الله عنه - ولم يأخذ أحد بقوله فبقي الإجماع منعقدًا على خلافه فلا يجوز القضاء به (ومنها بيع أم الولد (١) إذا قضى قاضي بجوازه ثم رفع ذلك إلى قاضي آخر ينبغي له أن يبطله) لأنّه خلاف الإجماع قال رحمه الله هذا قول محمد أما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمة الله عليهما فإنّه ينفذه ولا يكون له إبطاله لأنّ الصحابة اختلفت فيه والكتاب لا يرده وليس فيه سنة مشهورة وهذا بناء على أصل وهو أن الإجماع المتأخر هل يرفع الخلاف المتقدم لأنّ الصحابة اختلفوا في بيع أم الولد ثم أجمع من بعدهم على أحد القولين فوجد الإجماع بعد الاختلاف فعند محمد يرفع الاختلاف المتقدم فيكون القضاء مخالفًا للإجماع فلا يجوز تنفيذه وعند أبي حنيفة وأبي يوسف -رضي الله عنهما- لا يرفع الخلاف المتقدم فلم يكن القضاء خلاف الإجماع والمسألة مذكورة في كتاب الإجماع من تعليق الأصول (٢) (قال وكذلك (٣) القضاء بالمال بالقسامة) يريد به إذا وجد مال متلف في محلة فجاء المالك وحلف خمسين رجلًا من المحلة ثم عرفهم القيمة وقضى القاضي له بذلك كما هو مذهبنا في الدية أنّ أهل المحلة يستحلفون ويغرمون الدية فهذا القضاء باطل ينبغي لمن رفع إليه أن يبطله لأنّه خلاف الكتاب وهو قوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لكن انعقد الإجماع في النفس على أخذهم


(١) وفي س وأما الثالث فما ذكر صاحب الكتاب من الجواب قول محمد فأما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف لا ينقض لأن الصحابة اختلفوا في جواز بيعها ثم أجمع المتأخرون على أنه لا يجوز والصحابة متى اختلفوا في شيء ثم أجمع التابعون على أحد القولين هل ينتسخ الاختلاف الذي كان في الصحابة بإجماع التابعين عندهما لا وعنده ينتسخ فكان القضاء عندهما في محل الاجتهاد فيكون نافذًا فلا يكون للثاني أن ينقضه وعنده مخالف الإجماع فكان للثاني أن ينقضه.
(٢) (زيادة) ليست من التعليق قال الجصاص في شرح هذا الكتاب في القضاء بالمال بالقسامة أن يحلف المدعي خمسين يمينًا ويأخذ المال لا ينفذ القضاء به لأنه لم يقل أحد فكان خلاف الإجماع - هامش الأصل الآصفي.
(٣) في س قال (ولو قضى قاض بمال بقسامة كان للقاضي الثاني أن يبطله ولا ينفذه) يريد أن مالًا لإنسان إذا تلف في محلة فقضى قاض بوجوب ضمان المال بالقسامة وقاسه على النفس فهذا القضاء باطل لأنه مخالف للكتاب قال الله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وهذا القياس فاسد لأن المال مبتذل والنفس مستبذل فكان هذا القضاء مخالفًا للإجماع فكان للثاني أن ينقضه اهـ.

<<  <   >  >>