للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[باب الإكراه على القضاء]

ذكر (عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل القضاء وُكِّل إلى نفسه، ومن أُجبر عليه نزل عليه ملك فيسدده").

ثم ذكر (عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من طلب القضاء وطلب عليه الشفعاء وكل إليه (١) ومن أكره على القضاء وكل به ملك يسدده) قيل: إنما كان كذلك (٢) لأنه متى طلب وسأل (٣) فقد اعتمد على فقهه وورعه وذكائه، فصار معجبًا بنفسه (٤) فَحُرم عن التوفيق وسلب التسديد، ومتى أجبر عليه فقد اعتمد على الله -عَزَّ وَجَلَّ- فألهمه الله الصواب وسدده للرشاد، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (٥). وقوله "ملك يسدده" أي يهديه للصواب ويرشده للحق، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الملك لينطق على لسان عمر أي يرشده ويسدده والله أعلم بالصواب.

[باب الرخصة في القضاء]

ذكر صاحب الكتاب (عن الحسن كان يقال "لأجر حكم عدل يومًا واحدًا أفضل من أجر رجل يصلي في بيته سبعين سنة أو قال: ستين سنة") وكان من عادة الحسن أنه إذا روى عن واحد يقول "حدثني" وإذا روى عن جماعة يقول "كان يقال" ويكون ذلك رواية عن جماعة، قيل إن الحسن ابتلي بالقضاء، ومن ابتلي بشيء يذكر محاسنه، وإنما قال ذلك لما ذكرنا أنه كان بنو إسرائيل متى فرغ الرجل منهم نفسه للعبادة ستين سنة يرجى له النبوة ويعظم شأنه، وفي زماننا وقع اليأس عن النبوة فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام فضيلة القضاء بحق وعدلٍ مواز بالعبادة ستين سنة، بل أفضل لما ذكرنا عن الحسن ولما ذكرنا أن القضاء بحق أفضل من الجهاد والجهاد أفضل من التخلي لنقل العبادة، فما كان مقدمًا على الجهاد يكون أفضل بطريق الأولى (٦).


(١) وفي س "وكل إلى نفسه".
(٢) و (٣) وفي س "لأن من سأل القضاء".
(٤) وفي س بعد قوله "بنفسه" إلى آخر الباب العبارة هكذا: "فلا يلهم الرشد ويحرم التوفيق، فمحال أن يشتغل المرء بالتماس ما لو ناله وكل إلى نفسه، وأما من أكره على القضاء فقد اعتصم بحبل الله تعالى وتوكل على الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. فيلهم الرشد ويوفق للصواب، كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الملك لينطق على لسان عمر - يعني يوفقه للصواب".
(٥) آية رقم ٣ من سورة الطلاق.
(٦) كذا في ص ٢ م ٢. والصواب "بالطريق الأولى". وفي س "ولأن قد ذكرنا من قبل أن القضاء يحق أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى، والجهاد في سبيل الله أفضل من التخلّي لنفل العبادة، فلأن يكون القضاء يحق أفضل للتخلي لنفل العبادة أولى".

<<  <   >  >>