للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل

(ولا ينبغي للقاضي أن يجلس للقضاء وهو غضبان، ولا جائع، ولا ضجر، ولا كظيظ من الطعام، ويكون جلوسه عند اعتدال أمره) وذلك لما رُوي (١) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يقضي القاضي وهو غضبان، ولأنه يقطع رأيه ويمنعه عن استيفاء النظر، وكذلك الجوع، والضجر، والكظة وهي ما تعتري الممتلئ من الطعام (٢)، ويجلس حال اعتدال أمره لأنه يأمن الغلط ويتمكن من النظر، وهذا إذا كان الحكم مما يحتاج فيه إلى نظر، فإن كان ظاهرًا جليًا لا يحتاج فيه إلى نظر فلا بأس به في جميع هذه الأحوال، وقد قال أصحابنا: إنّ القاضي إذا كان شابًا فينبغي أن يقضي شهوته في أهله ثم يجلس للقضاء (٣) لئلا تتقدم إليه امرأة حسناء فيميل إليها فيقع في الجور (٤) والله أعلم (ويجعل سمعه وفهمه وقلبه إلى الخصوم) وذلك لما روينا في حديث عمر - رضي الله عنه - في كتابه إلى أبي موسى - رضي الله عنه - ألفهم ألفهم! وقد ذكرنا مقصوده هناك (٥) (ويسوي بينهم في الإقبال عليهم والنظر إليهم) (٦) وذلك لما روينا أيضًا في حديث عمر أسِ (٧) بين الناس في وجهك ومجلسك (ولا يمازح الخصوم ولا أحدهما، ولا يضحك في وجه واحد منهما، ولا يساره، ولا يومئ إليه بشيء دون خصمه) أما المزاح فحرام في غير حالة القضاء فما ظنك به في حالة القضاء! والضحك في وجه أحدهما يطمعه في جور القاضي ويكسر قلب صاحبه (٨)، والإيماء والمسارة يوهم أنه لقن الخصم الحجة وأرشده إلى الصواب (٩)، (١٠) فالحاصل أن القاضي مأمور بالعدل، منهي عن الجور، فكلما توهم الجور أو تقرب منه يجب الاحتراز عنه، وفي جميع ما ذكرنا بُعد عن مواقف التهمة، وقرب من مواطن العدل، فيجب فعله (١١) [قال (ويسوي بينهما في الجلوس)


(١) وفي الأصل وم "ما" والصواب "لما"؛ وفي س "لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى - الحديث".
(٢) وفي س "وهو أن يأكل فوق الشبع، لأن ذلك يؤذيه فيضعف رأيه فلا يهتدي الصواب وإنما ينهى عن هذا كله مخافة الجور لأنه مأمور بالعدل". قلت: وفي المغرب في الكظيظ: من الكظة، وهي الامتلاء الشديد.
(٣) و (٤) وفي س "حتى إذا حضرته الشابات من النسوان لا يميل قلبه إليهنّ فيجور".
(٥) وفي س "بين الخصمين".
(٦) وفي س "والنظر في أمورهم".
(٧) وذكر الحديث في ورق ١٤/ وفي س "سواء بين الخصمين" وهو لغيره على ما مرّ، وليس هو في الحديث بل فيه "أس بين الناس" كما هو هاهنا.
(٨) قال في س شارحًا قوله "ولا يضحك إلى آخره. لأنه يجترئ على خصمه ويطمع الميل من القاضي إليه".
(٩) وفي س بعد قوله "ولا يساره ولا يؤتى إليه بشيء": "لأن ذلك يورث تهمة في أمر القاضي، فإن خصمه يظن أنه يعيّنه أو يعلمه شيئًا أو يلقنه الصواب".
(١٠) و (١١) "ما بين الرقمين ساقط من س".

<<  <   >  >>