للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل

(وما فعله (١) القاضي من ذلك على وجه القصد والتعمد وأقر أنه فعل ذلك جورًا وظلمًا وقضى فيه بما لا يجب فضمان ذلك عليه في ماله) لأنه جان فأمكن إيجاب الضمان عليه وسقطت عدالته بذلك حتى يستحق العزل على ما هو المختار وعلى قول الطحاوي يصير معزولًا (قال ولو أقر القاضي أنّه قضى على إنسان لفلان بقضية جور وظلم وهو على القضاء أو قد عزل عنه فقوله غير مقبول في نقض القضية على كل حال) لأنّ قوله غير مقبول في إزالة ملك الغير عن اليمين القائمة كما ذكرنا (لكنه يضمن هنا ما أقر به) لأنّه أقر بالخيانة فخرج عن الأمانة وصار ضامنًا (فإن كان هذا الإقرار منه وهو قاضي استحق العزل والتأديب وإن كان بعد العزل لم تجز توليته القضاء بعد ذلك) لأنّه عرف فسقه والله أعلم بالصواب.

[باب القاضي يقضي بالقضاء ثم يرى بعد ذلك خلافه]

ذكر (عن الشعبي قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي بالقضاء ثم ينزل القرآن بغير الذي قضى به فلا يرد قضاؤه ويستأنف) دل الحديث (٢) على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقضي فيما لا نص فيه باجتهاده ولا ينتظر الوحي فإذا قضى صار ذلك شرعًا له كسائر شرعه فإذا نزل القرآن بخلافه بعد ذلك كان نسخًا للقضاء الأول فهذا من باب النسخ إلّا أنه نقض الاجتهاد بالإجتهاد ودل الحديث على أن القاضي إذا قضى في حادثة باجتهاده ثم رأى خلاف ما قضى به لم ينقض ما مضى من القضاء لكنه يستأنف الحكم في المستقبل بما يحول إليه رأيه لأنّ رأيه


(١) وعبارة س لهذه المسألة وهذا كله إذا أخطأ القاضي فأما إذا تعمد وأقر أنّه تعمد كان الضمان عليه لأنّه أقرّ بالجناية وجناية القاضي تكون سببًا لوجوب الضمان عليه ويصير به فاسقًا فيعزل إن أقر به وهو قاضي وكذلك القاضي إذا أقر أنّه قضى على هذا الرجل بقضية جور أو أقر برشوة في الحكم فإن كان أقرّ وهو قاضٍ بغرام وصار فاسقًا ويعزل ولا تنقض تلك القضية لأنّه لا يصدق على ذلك وإن هو أقر وهو معزول بغريم ويصير فاسقًا ولا تنقض تلك القضية لما قلنا لأنّه لا يصدق في إبطال حق المقضي له والله أعلم.
(٢) وفي س وفي الحديث دليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا كان لا ينتظر الوحي لكن يقضي برأيه فيصير ذلك شريعة فإذا نزل القرآن بخلافه يصير ناسخًا لتلك الشريعة فكان يعمل بالناسخ في المستقبل فهذا دليل على أن القاضي إذا قضى بالاجتهاد في حادثة ليس فيها كتاب ولا سنة ثم تحول عن رأيه فإنه يقضي في المستقبل بما هو أحسن عنده ولا ينقض ذلك القضاء الذي كان منه برأيه الأول لأنّ حدوث الرأي الثاني بمقابلة الرأي الأول دون نزول القرآن في مقابلة الاجتهاد بالرأي وثم لم ينقض الذي قضى بالرأي بالقرآن الذي نزل بعده فهاهنا أولى.

<<  <   >  >>