للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث الذي تقدم ذكره في وعيد من قضى بغير علم واستحى أن يسأل الناس.

قال رحمه الله (ثم لابد من معرفة المذهب في ثلاثة فصول: الأول تقليد أفعال الصحابة رضوان الله عليهم وأقوالهم، والثاني تقليد أفعال التابعين رحمهم الله وأقوالهم، والثالث الاجتهاد والنظر) أما الأول فحاصل ما نقل فيه عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - ثلاث روايات: الأولى قال: أقلّد منهم من كان من القضاة المفتين ولا أستجيز خلافه، كأبي بكر وعمر رضوان الله عليهما لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" وهما كانا من القضاة المفتين فكل من كان في مثل حالهما أوجبت اتّباعه نحو عثمان وعلي والعبادلة وزيد بن ثابت (١) ومعاذ بن جبل وأمثالهم رضوان الله عليهم أجمعين فعلى هذه الرواية خرج جماعة منهم البراء بن عازب (١) وأسامة بن زيد (١) وأبو أمامة (١) وسهل بن سعد الساعدي وأبو حميد الساعدي (١) ومن شاكلهم والرواية الثانية قال: أقلّد كل صحابي فيما بلغني عنه ولا أستجيز خلافه إلَّا ثلاثة: أبو هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب -رضي الله عنهم-؛ فقيل له في ذلك، فقال: أما أنس فبلغني أنه اختلّ (٢) عقله في آخر عمره وكان يستفتي (٣) علقمة وأنا لا أقلّد علقمة فكيف أقلّد من يقلد علقمة! وأما أبو هريرة فكان يكثر الرواية من غير تأمل ولا يميّز بين ناسخ ومنسوخ، وأما سمرة بن جندب فقد بلغني عنه أمر ساءني؛ قيل: الذي (٤) بلغه أنّه كان يتوسع في الأشربة المسكرة سوى الخمر، فلم ير تقليد هؤلاء فيما رأوه واجتهدوا فيه، لكنه يوجب اتباعهم فيما رووه ونقلوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهم ثقات عدول. والرواية الثالثة قال: أقلد كل صحابي ولا أجيز خلافه (٥)؛ وهو ظاهر المذهب وذلك لأن ما قاله الصحابي لا يعدو أحد أقسام ثلاثة إما أن يكون قاله سماعًا أو اجتهادًا أو جزافًا، فالأول يجب الانقياد له، والثالث لا يظن به، والأوسط يجب الانقياد له أيضًا لأنهم يوفقون للصواب في اجتهادهم ما لا يوفق غيرهم (٦) لما نالوه من صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.


(١) ساقط من س.
(٢) وفي س اختلط.
(٣) زيد في س "من".
(٤) وفي س "والذي".
(٥) وفي س "والثالث قال ما بلغني من الصحابة وأفتى به فأقلده ولا أستجيز خلافه يعني أقلّد جميع الصحابة".
(٦) وتعبير س: "وهذا لأنه لا يخلو إما أن قالوا ذلك جزافًا أو سماعًا أو اجتهادًا ولا يظن بهم أنهم قالوا جزافًا، فإن كان سماعًا لزم كل واحد منهم الانقياد له، وإن كان اجتهادًا فاجتهادهم أولى من اجتهاد غيرهم لأنهم يوفقون للصواب ما لا يوفق غيرهم لذلك".

<<  <   >  >>