للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الفصل الثاني

وهو تقليد التابعين رحمة الله عليهم فعن أبي حنيفة - رضي الله عنه - فيه روايتان في رواية قال: لا أقلّدهم هم رجال اجتهدوا ونحن رجال نجتهد؛ وهو الظاهر من المذهب، والثانية ذكر في النوادر قال: من أدرك منهم زمن الصحابة رضوان الله عليهم وأفتى فيه وسوغوا له ذلك كشريح والحسن ومسروق بن الأجدع أقلده ولا أستجيز مخالفته، وذلك لأنه لما أفتى في زمن الصحابة وسوغوا له ذلك صار كواحد منهم فكان حكمه كحكمهم؛ فعلى هذه الرواية لا يحتاج إلى الجواب عن قول من يقول: لماذا أورد أبو حنيفة - رضي الله عنه - قول التابعين في كتبه؟ لأنّه على هذه الرواية يرى تقليدهم، وأما على الرواية الأولى وهي ظاهر المذهب فنقول: لم يورد أقوالهم محتجًا بها بل مثبتًا أني لم أستبد بهذا القول بل قد سبقني إليه غيري، فكنت في هذا الاجتهاد متبعًا لا مخترعًا.

أما الفصل الثالث

وهو الاجتهاد فلابد من تفسيره ومعرفة أهليته، أما تفسيره فهو بذل المجهود في طلب المقصود، وأما أهليّته قال بعضهم: من كان صاحب حديث وله علم بالفقه والمعنى فهو من أهل الاجتهاد، وقال بعضهم صاحب فقهٍ وله علم بالحديث، وقال بعضهم: هذا وأن يكون صاحب قريحة يعلم عادات الناس ويعرف عرفهم لأنّ القياس قد يترك للعرف (١) ألا ترى كيف جوزنا الاستصناع بالعرف وإن كان القياس يأبى جوازه! وقال بعضهم (٢): إذا كان يحفظ "المبسوط" يعني مبسوط محمَّد رحمة الله عليه، ويعلم مذاهب المتقدمين فهو من أهل الاجتهاد.

قال رحمه الله (ثم لابد من معرفة المذهب في فصلين، أما الأول ما اتفق عليه أصحابنا، والثاني ما اختلفوا فيه) أما الأول إذا اتفق أصحابنا على شيء فيهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد -رضي الله عنهم- فلا يجوز للقاضي خلافهم سواء كان من أهل الاجتهاد أو لم يكن، لأنّ الحق لا يعدوهم غالبًا لما اجتمع لهم من طرق الاجتهاد، أما أبو يوسف رحمة الله عليه فكان من أصحاب الحديث حتى أنه كان يحفظ عشرين ألف حديث من المنسوخ، فإذا كان هذا حفظه في المنسوخ فما ظنك في حفظه في الناسخ! وكان له علم بالفقه والمعنى أيضًا وأما محمَّد رحمه الله (٣) فكان ذو فقه ومعنى (٤) وكان مقدمًا في علم


(١) وفي س "لأن العرف قد يغلب على القياس".
(٢) وفي س "وقال الشيخ الإِمام شمس الأئمة أبو بكر محمَّد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله".
(٣) و (٤) وفي س "فكان صاحب قريحة وكان صاحب فقه ومعنى، ولهذا أقل رجوعه في المسائل".

<<  <   >  >>