للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغة والإعراب، وكان له علم بالحديث أيضًا، وأما أبو حنيفة رحمة الله عليه فكان مقدمًا في جميع ذلك لكن قلَّت روايته للحديث لتفرده بمذهب اختص به فيه، وهو أنه يحب (١) أن يحفظ الحديث من حين سمع إلى حين يروي، وأما إذا اختلفوا فيما بينهم قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: يجب الأخذ بقول أبي حنيفة - رضي الله عنه - لأنه أفتى في زمن التابعين فالظاهر أنه يوفق للصواب ما لا يوفق غيره، وقال بعضهم (٢): إذا اجتمع منهم اثنان فيهما أبو حنيفة - رضي الله عنه - يجب الأخذ بقولهما، وإن كان أبو حنيفة - رضي الله عنه - في جانب وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله في جانب فإن كان القاضي من أهل الاجتهاد يرجح (٣) قول البعض على البعض فيأخذ بما هو الأقرب (٤) إلى الصواب عنده، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد استفتى وسأل فأخذ بما يفتي به المفتي والله أعلم.

قال (وإذا كان في العصر قوم من أهل الفقه شاورهم) لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُمِرَ بالمشورة، قال الله (٥) -عَزَّ وَجَلَّ- {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} والقاضي لا يكون أفطن من رسول الله (٦) - صلى الله عليه وسلم -، ولأن المشورة تلقيح للعقول وعندها يكون أقرب إلى الإصابة (فإن اتفقوا على شيء وكان رأي القاضي مثل رأيهم فصل الحكم به، وإن اختلفوا والقاضي من أهل الاجتهاد نظر في أقوالهم ورجح البعض على البعض فأخذ بما هو الأقرب إلى الصواب عنده، ولا يعتبر بكبر السن ولا بكثرة العدد) وذلك لأنّ الأصغر سنًا قد يوفق للصواب في حادثة ما لا يوفق الأكبر (٧)، وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان (٨) يشاور عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وكان يقول له "غص يا غواص" فإذا أصاب كان يقول له شنشنة أعرفها من أخزم" وهذا مثل يذكر العرب لمن يشبه أباه وكان يأخذ بقوله وعمر كان أكبر سنًا من عبد الله (وكذلك لا يعتبر لكثرة العدد لأن الواحد قد يوفق للصواب ما لا توفقه الجماعة، ولذلك إذا شهد الواحد برؤية هلال رمضان والسماء متغيّمة يقبل قوله "ويجب العمل عليه


(١) كذا في ص، م؛ والظاهر أن الصواب "يوجب" وفي س "وهو أنه إنما يحل رواية الحديث إذا كان يحفظ الحديث من حين يسمع إلى أن يروى .. إلخ".
(٢) وفي س "وقال المتأخرون من أصحابنا".
(٣) كذا في الأصل، وفي س "فإن القاضي من أهل الاجتهاد والنظر يتخير في ذلك".
(٤) وفي س "فيأخذ بقوله بمنزلة القاضي".
(٥) وفي ص "يقول الله" وفي س "بقوله".
(٦) وفي س "والقاضي لا يكون. انظر في نفسه من الرسول".
(٧) زيادة من س.
(٨) وفي س "ألا ترى أن عمر كان .. إلخ".

<<  <   >  >>