للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فإن اتفق فقهاء العصر على شيء والقاضي يرى خلاف ذلك فينبغي أن لا يعجل في القضاء ويكتب إلى فقهاء مصر آخر يشاورهم في ذلك) لأن مشورة الغائب بالكتاب بمنزلة مشورة الحاضر بالخطاب، ولهذا كان عمر - رضي الله عنه - يكتب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - بأشياء وكان أبو موسى - رضي الله عنه - يكتب إليه يشاوره في الحوادث (فإذا كتب إليهم فإن وافق رأيهم رأيه حكم بذلك، وإن خالفه حكم برأي نفسه) لأن رأيه صواب عنده، ورأي غيره خطأ عنده، والحكم بما يراه صوابًا واجب (١)، قال (فإن اشتبه على القاضي شيء فسأل فقيهًا واحدًا فأفتاه بشيء إن لم يكن (٢) القاضي من أهل الرأي عمل على فتوى الفقيه) لأنه عامي ووجب على العامي تقليد الفقهاء (وإن كان القاضي من أهل الرأي وخالف رأيه رأي الفقيه حكم برأي نفسه) لأنّ (٣) رأيه صواب عنده ورأي غيره خطأ عنده، لكن إنما أمر بالمشورة في الابتداء رجاء أن ينضم رأي غيره إلى رأيه، فإذا لم ينضم عمل على رأي نفسه (فإن حكم برأي الفقيه وترك رأي نفسه. قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: ينفذ قضاؤه، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا ينفذ) حتى لو صارت الحادثة معلومة للسلطان كان له أن ينقض ذلك القضاء الذي [أمضى] (٤) وجه قولهما أن يرى رأي غيره خطأً ورأي نفسه صوابًا فقد قضى بما يراه خطأً فلا ينفذ قضاؤه، كمن تحرّى إلى جهة ثم تركها وصلّى إلى جهة أخرى تحرى إليها غيره لا يجوز (٥)، وكذلك من أودع رجلًا مالًا ونسي فليس للمودع أن يضع الزكاة فيه لأنه يعلم أنه غني، ولو وضع غير المودع فيه الزكاة يجوز لأنّه لا يعلمه غنيًا، وكذلك من افتتح الصلاة وعليه صلوات حديثة قد نسيها الآن فاقتدى به رجل يعلم أنّ عليه صلوات حديثة لا يجوز اقتداؤه لأنّ المقتدي يرى الإِمام على الخطأ، كذلك هنا إذا كان يرى رأي غيره خطأً لا يجوز له الحكم به بحال (٦)؛ وأبو حنيفة - رضي الله عنه - يقول: حكم في محل (٧) الاجتهاد فينفذ حكمه ولا إشكال فيه، لأنّ المجتهد لا يقطع على كون الحق في قوله والخطأ في قول صاحبه، فكان المحل محل الاجتهاد فينفذ القضاء؛ هذا إذا كان للقاضي رأي، وقت القضاء، أما إذا لم يكن له رأي وقت القضاء فحكم برأي الفقيه ثم حدث له رأي


(١) وفي س "ورأى غيره ليس بصواب عنده فيقضي بما عنده لا بما عند غيره".
(٢) وفي س "فإذا أشكل على القاضي شيء فشاور في ذلك رجلًا واحدًا ففيها فهذا على وجهين، إن لم يكن - إلخ".
(٣) وفي م "لأنه".
(٤) بين المربعين زيادة من س.
(٥) وفي س "إلى جهة أخرى بتحري غيره لا يجوز وإن أصاب الكعبة".
(٦) و (٧) ما بين الرقمين ساقط من س.

<<  <   >  >>