للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنه لا يمكنه الجمع بين رضا الله -عزّ وجل- وخوف الناس، ومتى خاف الله -عَزَّ وَجَلَّ- حصل رضا الله تعالى ورضا الناس {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} أراد به الرشوة قال الله -عز وجل- {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} قيل: والله أعلم السحت هو الرشوة، وهذا لأنه يأخذ الرشوة إما ليقضي بالجور، أو ليكف عن الظلم، الأول حرام، والثاني واجب عليه بدون أخذ الرشوة، فكانت الرشوة حرامًا على كل حال.

قال صاحب الكتاب (وقد جاء في كراهية القضاء وفي الدخول فيه من الأحاديث غير هذا، وقد (١) دخل في القضاء قوم صالحون، واجتنبه قوم صالحون، وترك الدخول فيه أمثل وأصلح وأسلم في الدين والدنيا لما ذكرنا من الفقه في صدر الكتاب (١) قال رحمه الله (هذا إذا كان في البلدة قوم يصلحون للقضاء غيره، أما إذا لم يكن هناك من يصلح للقضاء سواه فإنه يأثم بالإمتناع عن القضاء) لأنه تعين له ليحفظ أحكام الله -عزّ وجل- (ثم إذا كان في البلدة جماعة يصلحون للقضاء فامتنعوا جميعًا وإن كان السلطان يتولّى فصل الأحكام بنفسه فلا بأس لهم بالإمتناع) لأنه لا يضيع أحكام الله تعالى (فإن كان السلطان ليس ممن يتولى الأحكام بنفسه أثم الجميع بالإمتناع) لأن امتناعهم أدى إلى ضياع أحكام الله -عَزَّ وَجَلَّ- (ولو امتنعوا حتى ولي الجاهل فإنّهم يأثمون) لأن امتناعهم كان سببًا لذلك (٢) والله أعلم.

[باب اجتهاد الرأي في القضاء]

(عن ابن بريدة (٣) عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "القضاة ثلاثة، اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل علم فقضى بما علم فهو في الجنة) وهذا صحيح لأنَّه أظهر الحق بعلمه وأنصف المظلوم من خصمه فاستحق الجنة (٤)، ثم تكلموا في أن مثل هذا القاضي هل يطلق عليه اسم خليفة الله -عَزَّ وَجَلَّ-، والأكثرون على أنه يسمى خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووارثة، ولا يسمى خليفة الله لأن هذا الاسم اختص به الأنبياء صلوات الله عليهم (ورجل جهل وقضى بالجهل (٥) فهو في النار) وهذا لأنه جازف وتخبط فيما يصنع (١) والجازف مذموم أخطأ أو أصاب (رجل علم فقضي بغير ما علم فهو في النار) لأنه كابد


(١) بين المربعين زيادة من س.
(٢) وفي س "لأنه يؤدّي إلى تضييع أحكام الله تعالى فلا يحل لهم السكوت".
(٣) وكان من مهام "عن أبي زيدة" وفي س "أبي بريدة" والصواب "ابن بريدة" وهو إما عبد الله أو سليمان، وعلى الأول صرح بعض شراح سنن أبي داود.
(٤) وفي س "فهو في الجنة".
(٥) وفي س "بجهله".

<<  <   >  >>