للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا وُسع لهم به، أو كان نفيُ من نَفَى منهم النسخ؛ لأنه في الأخبار، وهي ممَّا لا يدخله النسخ-؛ فإن كلاهُما ذهب إلى عموم المُحاسبة، واختلفت ألفاظهم في النسخ، وقد بَيَّنَّا مُراد كُلٍّ بذلك. وهذا ممَّا يُفسِّر تكرر الرواية عن بعض السلف في هذه الآية، مَرَّةً بإثبات النسخ، وأُخرى بنفيه، كما رُويَ عن ابن عباس، وابن عمر (١)، ومجاهد (ت: ١٠٤)، والحسن (ت: ١١٠).

وقد جمع ابن تيمية (ت: ٧٢٨) بين أقوال المفسرين في هذه الآية فقال: (وكلام السلف يوافق ما ذكرناه، قال ابن عباس: (هذه الآية لم تنسخ، ولكن الله إذا جمع الخلائق يقول إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم، مما لم تطلع عليه ملائكتي، فأما المؤمنون فيخبرهم، ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم، وهو قوله ﴿يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة ٢٨٤]، يقول: يخبركم به الله، وأما أهل الشرك والريب، فيخبرهم بما أخفوه من التكذيب، و هو قوله ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة ٢٨٤]) (٢)، وقد رُويَ عن ابن عباس: (أنها نزلت في كتمان الشهادة) (٣)، ورُويَ ذلك عن عكرمة، والشعبي (٤)، وكتمان الشهادة من باب ترك الواجب، وذلك ككتمان العيب الذي يجب إظهاره، وكتمان العلم الذي يجب إظهاره، وعن مجاهد: (أنه الشك واليقين)، وهذا أيضًا من باب ترك الواجب؛ لأن اليقين واجب، ورُويَ عن عائشة: (ما أعلنت فإن الله يحاسبك به، و أمَّا ما أخفيت، فما عُجِّلت لك به العقوبة في الدنيا)، وهذا قد يكون مما يعاقب فيه العبد بالغم، كما سُئِلَ سفيان بن عيينة عن غمٍّ لا يعرف سببه؟ قال: هو ذنب هممت به في سِرِّك ولم تفعله فجزيت همًا به. فالذنوب لها عقوبات، السرُّ بالسرِّ، والعلانية


(١) أخرجه البخاري في صحيحه ٨/ ٥٣ (٤٥٤٥).
(٢) جامع البيان ٣/ ١٩٩ (٥٠٨٣).
(٣) جامع البيان ٣/ ١٩٢ (٥٠٦٢).
(٤) ينظر: جامع البيان ٣/ ١٩٣.

<<  <   >  >>