للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد سبق ذكر دلالة السياق وأنها خاطبت المؤمنين بتحريم الخمر تحريمًا قاطعًا، ثم خاطبتهم بنفي الجناح فيما طَعِموا، ولا شَكَّ في استثناء الخمر منه. وهو ما أشار إليه ابن عباس .

ودليلٌ آخرَ هو من أقوى أَدِلَّة بُطلان ما تأوَّلَه قُدامة وغيره ، وهو سبب نزول هذه الآيات، وقد مَرَّت إشارة ابن عباس إليه، قال الشاطبي (ت: ٧٩٠): (ففي الحديثين- حديث عبد الله بن عامر، وابن عباس- بيان أن الغفلة عن أسباب التنْزيل تؤدي إلى الخروج عن المقصود بالآيات). (١)

وحيث قد اشتهر تحريم الخمر على عهد رسول الله ، وأراقها الناس في طرقات المدينة، وحَدَّ رسولُ الله من شربها، وأجمع الصحابة على ذلك (٢)؛ فإن القول بإباحتها لمن اتَّقَى مُفَضٍ إلى إبطال جميع ذلك. وهو ما أشار إليه علي .

وقد ورد في السنة إشارةٌ إلى أن الظاهر الذي فهمه قدامة ومن معه غير مُرَاد، وذلك في قوله لابن مسعود حين نزلت هذه الآية: (قيل لي أنت منهم) (٣)، ولم يقع من ابن مسعود شيءٌ ممَّا فهمه قدامة من هذه الآية، فصار انطباق الآية على حال ابن مسعود من جهة المعنى السياقي الكامل الذي ذهب إليه عمر وعلي وابن عباس .

وقد لَخَّصَ بعض ما سبق الإمام الشاطبي (ت: ٧٩٠) بقوله عن هذه الآية: (فهذه صيغة عموم تقتضي بظاهرها دخولَ كلِّ مطعوم، وأنه لا جُناح في استعماله بذلك الشرط، ومن جُملته الخمر، لكنَّ هذا الظاهر يُفسِدُ جَرَيَان الفهم في الأسلوب، مع إهمال السبب الذي لأجله نزلت الآية بعد تحريم الخمر؛ لأن الله تعالى لمَّا حَرَّم


(١) الموافقات ٤/ ١٥١، وينظر منه: ٤/ ١٤٦، ٢٦٠.
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى ١١/ ٤٠٣، وشرح العقيدة الطحاوية ٢/ ٤٤٦، وفتح القدير ٢/ ١٠٥.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه ٦/ ١٣ (٢٤٥٩).

<<  <   >  >>