للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخمر قال ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة ٩٣] فكان هذا نقضًا للتحريم، فاجتمع الإذن والنهي معًا؛ فلا يُمكن للمُكَلَّف امتثال. ومن هُنا خَطَّأ عمرُ بن الخطاب من تأوَّلَ في الآية أنَّها عائدةٌ إلى ما تَقَدَّمَ من التحريم في الخمر، وقال له: (إذا اتَّقَيت اجتَنَبتَ ما حرَّم الله)، إذ لا يَصِح أن يُقال للمكلَّف: (اجتَنب كذا)؛ ويُؤَكَّد النهي بما يقتضي التشديد فيه جدًّا، ثم يُقال: (فإن فعَلتَ فلا جُناح عليك)، وأيضًا فإن الله أخبر أنها تصُدُّ عن ذكر الله، وعن الصلاة، وتوقع العداوة والبغضاء بين المُتَحابَّين في الله، وهو بعد استقرار التحريم كالمُنافي لقوله ﴿إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [المائدة ٩٣]، فلا يُمكن إيقاع كمال التقوى بعد تحريمها إذا شُربَت؛ لأنه من الحرج أو تكليف ما لا يُطاق) (١).

وبهذا ينحصر الصواب من معنى الآية في أنه: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ [المائدة ٩٣] ممَّا أحلَّ الله لهم، بعد تحريم الخمر، ولم يقربوا ما حَرُمَ عليهم، ومن مات قبل تحريمها وقد شربها فلا جُناح عليه.

وهو المعنى الجامع لأقوال الصحابة عمر وعلي وابن عباس، وهم من أعلم الصحابة بالتفسير- كما سبق، ومن ثَمَّ تكون هذه الآية مُتَّصِلة بالآية قبلها ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [المائدة ٨٧]. وشَبَّهَها الشافعي (ت: ٢٠٤) بقوله تعالى ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة ١٠٥]، ولدلالة "إذا" فيها على المستقبل، كما سيأتي عن النحاس (ت: ٣٣٨).

وقيل بعكس ذلك، وهو أن المُراد: فيما طَعِموا قبل تحريمها- بحسب سبب النُّزول-، ثم المُباحات من المطعومات بعد ذلك من صور العموم الداخلة في الآية. ونسبه ابن الجوزي (ت: ٥٩٧) لابن عباس والجمهور (٢)، واستظهره


(١) الموافقات ١/ ١٥٧.
(٢) زاد المسير (ص: ٤٠٦)، وينظر: جامع البيان ٧/ ٥٢.

<<  <   >  >>