للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في سياق المُطَلَّقات؛ لأنه فيهن وَرَد، وعلى ذِكرهن انعطف، فإنَّ عطفه على المُطَلَّقة لا يُسقِط عمومه، خاصَّةً مع استحضار الحكمة من تشريع العِدَّة في ذلك. (١)

ثالثًا: تأخر نزول آية الطلاق عن آية البقرة، قال ابن مسعود : (من شاء لاعَنتُه، ما نَزَلت ﴿وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ٤]، إلا بعد آية المتوَفَّى عنها زوجها) (٢)، قال الجصاص (ت: ٣٧٠): (قد تضمَّنَ قول ابن مسعود هذا معنيين، أحدهما: إثبات تاريخ نزول الآية، وأنها نزلت بعد ذكر الشهور للمتوفى عنها زوجها. والثاني: أن الآية مُكتَفيةٌ بنفسها في إفادة الحكم على عمومها، غير مُضَمّنة بما قبلها من ذكر المُطَلَّقة، فوجب اعتبار الحمل في الجميع من المُطَلَّقات والمُتَوفى عنهنَّ أزواجهن، وأن لا يجعل الحكم مقصورًا على المُطَلَّقات لأنه تخصيص عموم بلا دلالة) (٣)، و من هنا ذهب جمعٌ من العلماء إلى أن آية الطلاق ناسخةٌ لآية البقرة (٤)، قال ابن القيم (ت: ٧٥١): (فابن مسعود أشار بتأخر نزول سورة الطلاق، إلى أن آية الاعتداد بوضع الحمل ناسخةٌ لآية البقرة إن كان عمومها مرادًا، أو مخصصةٌ لها إن لم يكن عمومها مرادًا، أو مُبَيِّنةٌ للمراد منها، أو مقيدةٌ لإطلاقها، وعلى التقديرات الثلاث فيتعين تقديمها على تلك وإطلاقها، وهذا من كمال فقهه ورسوخه في العلم، ومما يُبَيِّنُ أن أصول الفقه سَجِيَّةٌ للقوم، وطبيعةٌ لا يتكلفونها، كما أن العربية والمعاني والبيان وتوابِعها لهم كذلك، فمن بعدهم فإنما يجهد نفسه ليتعلق بغبارهم، وأنَّى له؟!) (٥).


(١) ينظر: أحكام القرآن، لابن العربي ١/ ٢٥٧. وفي حكمة تشريع العدة ينظر: زاد المعاد ٥/ ٥٩٠، وإعلام الموقعين ٣/ ٢٩٤، وحجة الله البالغة ٢/ ٢٥٦.
(٢) جامع البيان ٢٨/ ١٨٢ (٢٦٥٨٧)، وقد ثبت ذلك عن ابن مسعود من عدة طرق. ينظر: الفتح ٩/ ٣٨٤.
(٣) أحكام القرآن، للجصاص ٣/ ٦١٢.
(٤) ينظر: بدائع الفوائد ٣/ ٩٥، والجامع لأحكام القرآن ٣/ ١١٥، وفتح الباري ٩/ ٣٨٤.
(٥) زاد المعاد ٥/ ٥٣٢.

<<  <   >  >>