للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا ينْزح. حكاه ابن فارس (١)، وهو يقتضي تعدية الرباط لُغةً إلى غير ما ذكرناه؛ فإن المُرابطة عند العرب: العقد على الشيء حتى لا ينحل فيعود إلى ما كان صبر عنه، ومن أعظمها وأهمها: ارتباط الخيل في سبيل الله، كما نَصَّ عليه في التنْزيل في قوله ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال ٦٠] على ما يأتي، وارتباط النفس على الصلوات، كما قاله ، رواه أبو هريرة وجابر وعلي، ولا عِطرَ بعد عروس) (٢).

فمن ثَمَّ يتَّضِح أن كِلا المعنيين السابقين للرباط- ملازمة الثغور في سبيل الله، وانتظار الصلاة بعد الصلاة- صحيحٌ لُغةً وشرعًا، على ما سبق بيانه، وكِلاهما مُقَدَّم على غيرهما، وهُما من نوع اختلاف التنوع، واختار ذلك: الراغب الأصفهاني (ت: بعد ٤٠٠)، والرازي (ت: ٦٠٤)، والقرطبي (ت: ٦٧١)، والبيضاوي (ت: ٦٨٥) (٣).

ويترجَّحُ القول بأن الرباط هو ملازمة الثغور في سبيل الله؛ لأنه أعظمُ معاني الرباط، وأهمُّها، وأشهرُها، وقد سبق دلالة السُّنة على عظمته، وكذلك أهميته، فهو مصلحة عامَّةٌ مُتَعدِّية، كما أنه أشهر معاني الرباط عند الإطلاق، قال ابن جرير (ت: ٣١٠): (وإنما قلنا معنى ﴿وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران ٢٠٠]: ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم؛ لأن ذلك هو المعنى المعروفُ من معاني الرباط، وإنما يُوَجَّهُ الكلامُ إلى الأغلبِ المعروفِ في استعمال الناس من معانيه دون الخفي، حتى تأتي بخلاف ذلك- مِمَّا يُوجِبُ صرفَه إلى الخَفِيّ من معانيه- حجةٌ يجب التسليمُ لها من كتاب، أو خبر عن الرسول ، أو إجماع من أهل التأويل) (٤). وقال أبو الحسن الرُّمَّاني (ت: ٣٨٤): (والتأويل الأوَّل هو الوجه- أي: رابطوا في سبيل الله-؛ لأنه أظهر ما يلزم من الصبر


(١) مقاييس اللغة ١/ ٥٠٧، وفيه: (لا يَبْرَحْ).
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٤/ ٢٠٦.
(٣) ينظر: تفسير الراغب الأصفهاني ٢/ ١٠٦٨، والتفسير الكبير ٩/ ١٢٧، والجامع لأحكام القرآن ٤/ ٢٠٦، وأنوار التنْزيل ١/ ٢٠٢.
(٤) جامع البيان ٤/ ٢٩٤، وينظر: ٦/ ٣٣٧ ط/ التركي.

<<  <   >  >>