للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم إن مجيء رزق أهل الجنة على هذه الصفة هو أكمل الوجوه فيه، قال ابن عطية (ت: ٥٤٦): (وجعل ذلك عبارة عن أن رزقهم يأتي على أكمل وجوهه)، كما أن العرب تفضله كذلك، قال ابن قتيبة (ت: ٢٧٦): (فإن الناس يختلفون في مطاعمهم، فمنهم من يأكل الوجبة، ومنهم من عادته الغداء والعشاء، ومنهم من يزيد عليهما، ومنهم من يأكل متى وَجَد، لغير وقت ولا عدد. فأعدل هذه الأحوال للطاعم وأنفعها، وأبعدها من البَشَم والطَّوى على العموم: الغداء والعشاء، والعرب تكره الوجبة، وتستحب العشاء، وتقول: تَرْكُ العشاء مَهرَمة) (١). ثُمَّ إن من عادة القرآن تقريب نعيم الجنة للسامع بما يعرف ويعهد في الدنيا؛ ترغيبًا له وتشويقًا، في حين أن ما في الجنة لم يخطر على قلب بشر، كما قال (٢). وقد ورد في السنة ما يشهد للمعنى الذي ذكره ابن عباس في بكور وعشي الجنة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر) الحديث، وفي آخره: (قلوبهم قلبٌ واحد، يسبحون الله بكرةً وعشيًّا) (٣)، قال ابن حجر (ت: ٨٥٢): (قوله: (يسبحون الله بكرةً وعشيًّا) أي: قدرهما) (٤)، وعن ابن عباس ، عن رسول الله قال: (الشهداء على بارقِ نَهرٍ ببابِ الجنة، في قُبَّةٍ خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرةً وعشيًّا) (٥).

واختار قولَ ابن عباس في هذه الآية غيرَ من سبق: يحيى بن سلاَّم (ت: ٢٠٠)، والفراء (ت: ٢٠٧)، والأخفش الأوسط (ت: ٢١٥)، وابنُ جرير


(١) تأويل مشكل القرآن (ص: ٥٦).
(٢) فيما أخرجه البخاري في صحيحه ٨/ ٣٧٥ (٤٧٧٩)، ومسلم في صحيحه ٦/ ٢٩٨ (٢٨٢٤).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه ٦/ ٣٦٧ (٣٢٤٥)، ومسلم في صحيحه ٦/ ٣٠٣ (٢٨٣٤).
(٤) فتح الباري ٦/ ٣٧٥.
(٥) أخرجه أحمد في المسند ١/ ٢٦٦ (٢٣٩٠)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٨٤ (٢٤٠٣) وصححه، وابن حبان في صحيحه ١٠/ ٥١٥ (٤٦٥٨)، والطبراني في الأوسط ١/ ٤٥ (١٢٣)، وإسناده حسن.

<<  <   >  >>