للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونفى ابن عباس أن يكون المُراد بالنكاح في هذه الآية الزواج، والمعنى عند من فسره بعقد الزواج: أن الزاني لا ينكح إلا زانية حقيقةً أو حُكمًا باعتبار ما تؤول إليه من وجوه كثيرة، ومن عقد على زانية فهو إمَّا زانٍ، إن اعتقد حرمة الزنا، أو مشرك، إن اعتقد إباحته، وهي من كلا الوجهين لتحريم نكاح البغايا، والعكس كذلك.

ومن ذهب إلى ذلك اعتمد سببَ نزول الآية وهو: أن مرثد بن أبي مرثد (١) كان رجلًا يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت امرأة بغي بمكة، يقال لها: عناق، وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلًا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق، فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط، فلما انتهت إليَّ عَرَفته، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد. فقالت: مرحبًا وأهلًا، هلُمَّ فَبِتْ عندنا الليلة. قال: قلت يا عناق حرم الله الزنا. قالت: يا أهل الخيام، هذا الرجل يحمل أسراكم. قال: فتبعني ثمانية، وسلكت الخندمة، فانتهيت إلى كهف أو غار، فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي، فبالوا فظل بولهم على رأسي، وأعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا، ورجعت إلى صاحبي، فحملته، وكان رجلًا ثقيلًا، حتى انتهيت إلى الإذخر، ففككت عنه كُبُلَه، فجعلت أحمله ويعييني، حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله ، فقلت: يا رسول الله، أَنكِحُ عَنَاقًا؟ فأمسك رسول الله ، فلم يردَّ علي شيئًا، حتى نزلت ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور ٣]، فقال رسول الله : (يا مرثد ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ [النور ٣]؛ فلا تنكحها) (٢)، ويُقَوِّي هذا المعنى أنه


(١) مرثد بن أبي مرثد كَنَّاز بن الحصين الغنوي، صحابي بدري، استشهد بالرجيع سنة (٣). ينظر: الإصابة ٦/ ٥٥.
(٢) أخرجه أبو داود ٢/ ٢٢٠ (٢٠٥١)، والترمذي ٥/ ٣٢٨ (٣١٧٧)، والنسائي ٦/ ٦٦ (٣٢٢٨)، والحاكم ٢/ ١٨٠ (٢٧٠١)، والبيهقي في السنن ٧/ ١٥٣ (١٣٦٣٩)، وحَسَّنه الترمذي، وصححه الحاكم، وإسناده حسن.

<<  <   >  >>