ثانيًا: أنه لو كان النكاح بمعنى التزويج لوجب حَدُّ المُتَزَوِّج بزانية؛ لأنه زانٍ، والزاني يجب حَدُّه، وقد أجمع العلماء على أن من تزوج زانيةً لا يُحَدُّ حَدَّ الزنا، ولو كان زانيًا لَحُدَّ حَدَّ الزنا.
ثالثًا: أنه لو قيل ذلك لترتب عليه حصر زواج الزاني بزانيةٍ أو مشركة، فإن كان المُراد الخبر، فلا يصح حِسًّا، فإنا نرى الزاني ينكح عفيفة، والعكس كذلك، وإن كان المُراد النهي عمَّا عداه، فباطل من حيث الإجماع على جواز العقد على الزانية إذا استُبرِئَت، وصحة عكسه عند جماهير من أهلِ العلم.
رابعًا: كما يترتب على هذا القول أن يكون زنا المرأة أو الرجل بعد زواجهما موجبًا للفرقة، ولا يقول بهذا أحد من أهل العلم.
خامسًا: أن أكثر العلماء على صحة نكاح الزانية، وأنه لا يوجبُ تحريمها على الزوج، كما لا يوجب الفرقة بينهما.
سادسًا: وبخصوص سبب النُّزول فإن آية النور هذه متأخرة عن آيتي البقرة والممتحنة السابقتين، في تحريم نكاح المشركات، فهو أمرٌ لا يخفى على صحابي يعلم حرمة الزنا، كما أنه لو كان سؤال الصحابي بخصوص نكاح المشركات لَما انتظر رسول الله ﷺ نزول الوحي في ذلك، فإنه مما سبق نزوله، وعُلِم حكمه. فسؤال مرثد ﵁ رسولَ الله ﷺ إنما كان عن وطء مشركة، لا عن زواجها؛ فإنه معلوم، ووطء المشركة المستحلَّةِ للزنا قد لا يكون حكمه ظاهرًا معلومًا لمرثد كعلمه بحرمة زواجها، فربما ظن فيه رخصةً، خاصةً مع تردده إلى مكة لفك الأسرى وحملهم، فربما كان في ذلك دفعٌ لشرها عنه إن هو عاد إلى مكة. وفي رواية سبب النُّزول أنها إنما دعته إلى وطئها لا إلى زواجها، والبَغِيُّ في الغالب مستغنيةٌ بسفاحها عن النكاح الصحيح، وهذه الألفاظ في سبب النُّزول تشير إلى ذلك:(بَغِيّ)، (صديقة له)، (هلُمَّ فَبِتْ عندنا الليلة)، (يا عناق حرم الله الزنا).