للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيها، ومَنشأ الخلاف كما رأيتَ: الاشتراك اللفظي (١) في كلمة (النكاح)، فإنه يُطلق على الوطء، وعلى العقد، ولكُلِّ معنىً منهما وجهٌ قويٌ، وأدلَّةٌ ظاهرةٌ، وقال بِكُلٍّ أئِمَّةٌ كبارٌ، هم المَرجع في نحو هذا، والمُعَوَّلُ فيه. والقول الأول أقرب؛ فإنه ثابت عن ابن عباس ، وعليه أكثر المفسرين من التابعين فمن بعدهم، لولا ما اعتُرِضَ به عليه من سبب النُّزول، وقد أُجيبَ عنه بما سبق، ويترجح أحد معنيي المشترك إن كان هو الأصل لغةً، وقد سبق أن الأصل في كلمة "النكاح": الوطء.

وبعض المفسرين لا يستبعد القول بصحة حمل الآية على كلا المعنيين السابقين، لأمور منها:

أوَّلًا: صحةُ حملِ المُشتَرَك على معنييه؛ فإنه لا يخفى شيء من معاني هذه اللفظة على المتكلم بها سبحانه (٢)، وقد جَوَّزَ ذلك أكثر الفقهاء المالكية، والشافعية، والحنبلية، وكثير من أهل الكلام، وهو أصحُّ القولين عند الأصوليين (٣)، وقُيِّدَ ذلك بتجرُّده عن قرينة تصرفه لأحد معانيه، وعدم المانع من ذلك، كتضادّ المعنيين. (٤)


(١) المشترك اللفظي هو: ما اتفق لفظه واختلف معناه الحقيقي، فيكون اللفظ الواحد على معنيين فصاعدًا. ينظر: مقدمة جامع التفاسير (ص: ٢٩)، والمُزهر ١/ ٢٩٢، والتحبير (ص: ٢١٤)، والمُشترك اللغوي نظريّةً وتطبيقًا، والاشتراك والتضاد في القرآن الكريم.
(٢) ينظر: مقدمة جامع التفاسير (ص: ٩٨)، والبحر المحيط في الأصول ٢/ ٣٢١.
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٤١، ومقدمات تفسير الأصفهاني (ص: ١٥١)، والموافقات ٣/ ٢٤٩، والبحر المحيط في الأصول ١/ ٤٩٣، وسلاسل الذهب (ص: ١٧٥)، وشرح الكوكب المنير ١/ ١٤٠، وقواعد التفسير ٢/ ٨١٩.
ومنع ابن القيم (ت: ٧٥١) من حمل المُشترك على معنييه جميعًا؛ لمحاذير عديدة، ذكر منها اثنان ثم قال: (وقد ذكرنا على إبطال استعمال اللفظ المُشترك في معنييه معًا بضعةَ عشر دليلًا في مسألة (القرء) في كتاب: «التعليق على الأحكام»). جلاء الأفهام (ص: ١٦٦)، وإليه ذهب ابن الوزير (ت: ٨٤٠) في إيثار الحق على الخلق (ص: ٣٨٩).
(٤) ينظر: التحرير والتنوير ١/ ١٠٠، وقواعد التفسير ٢/ ٨١٩.

<<  <   >  >>